من “همسات تحت ضوء القمر” إلى “لعنة ريانا”.. الكاتبة سلمى بن دحمان تسطر عوالم من الرومانسية والغموض

  • الإبداع رحلة لا تنتهي من المثابرة والاكتشاف
  •  التحديات والصبر هما سر النجاح في الموازنة بين الحياة والكتابة.
  •  الألم ليس نهاية، بل بداية لقوة جديدة تلهم الحياة
  •  الأمومة منحت كتاباتي دفئًا وعمقًا، وعلمتني رؤية الجمال في التفاصيل الصغيرة

سلمى بن دحمان، شابة جزائرية من مواليد ولاية بومرداس، استطاعت منذ سن مبكرة أن تصنع لنفسها عالماً أدبياً نابضاً بالحياة والمشاعر.

قارئة نهلت من الكتب معارف وأساليب، وكاتبة تتقن تحويل الألم، الفرح، والغموض إلى حكايات تُلامس القلوب.

برغم صغر سنها، أصدرت سلمى كتابين متتابعين خلال عامين فقط:همسات تحت ضوء القمر” في 2024 و رواية انتقام من العالم الآخر “لعنة ريانا” في 2025، لتثبت أن الشغف والموهبة لا يعرفان العمر.

كونها أم، أضاف إلى كتاباتها عمقاً إنسانياً وحناناً ينعكس في كل شخصية وكل مشهد، بينما القراءة المستمرة تغذي خيالها وتثري أسلوبها بالسرد الواقعي والإبداع العاطفي.

في هذا الحوار، تكشف سلمى عن رحلتها في عالم الكتابة، عن الصعوبات التي واجهتها، وعن الرؤى التي تحملها لمستقبل أدبي واعد، لتأخذنا في رحلة صادقة بين كلماتها، أفكارها، وقلبها النابض بالإلهام.

 

حاورتها رادية مراكشي

 

  • اللقاء : سلمى، كل فتاة تحلم بأن تجد شغفها في الحياة.. متى بدأت رحلتك في عالم الكتابة؟ وكيف أدركتِ أن الكتابة ستكون شغفك الأول؟

سلمى بن دحمان : بدأت رحلتي مع الكتابة منذ أن كنت في الثالثة عشرة من عمري ، كانت الأفكار تتدفق بداخلي أكثر مما أستطيع التعبير عنه بالكلام، فوجدتُ في الورق مساحة آمنة لأقول ما لا أقدر على قوله للعالم.

مع مرور الوقت أدركت أن الكتابة ليست مجرد هواية، بل ملجأ يعيد ترتيب الفوضى في داخلي ويقربني من ذاتي، يوم شعرت أنني “أتنفس” من خلال السطور، فهمت أنها شغفي الأول، وأن كل كلمة أكتبها تمنحني حياة جديدة.

 

  • كتابيْك “همسات تحت ضوء القمر” و انتقام من العالم الآخر “لعنة ريانا” يقدمان أجواء مختلفة تمامًا، من الرومانسية الداخلية إلى الرعب والغموض. كيف تختارين المواضيع التي تلهمك؟

أستلهم مواضيع كتاباتي من المشاعر والتجارب التي أعيشها أو تلك التي ألتقطها من العالم من حولي ، فالرومانسية تنبع من تأملاتي العميقة في الحب والعلاقات الإنسانية، أما الرعب والغموض فهما نتيجة فضولي الدائم تجاه المجهول والجانب الخفي من الحياة.

دائمًا ما أحرص على اختيار مواضيع تلامس قلبي أولًا، لأن الشغف الداخلي هو ما يمنح العمل صدقه وقوته، وكل قصة أكتبها تحمل جزءًا من روحي وبصمتي الخاصة التي أحاول إيصالها للقارئ بطريقة تجعل التجربة الأدبية أكثر عمقًا وإلهامًا.

 

 

 

  • كونك أم، كيف أثر هذا الدور على شخصيتك وعلى عمق مشاعرك في رواياتك؟ وهل منحتك الأمومة رؤية جديدة للحياة؟

كوني أمًّا أضاف إلى حياتي وكتاباتي أبعادًا جديدة تمامًا؛ فقد منحتني الأمومة نظرة أعمق للحنان والعاطفة والصبر، أصبحتُ أكثر حساسية تجاه مشاعر الآخرين، وأكثر قدرة على التقاط التعقيدات الإنسانية وترجمتها إلى روايات تنبض بالصدق.

علّمتني الأمومة أيضًا تقدير التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو عابرة، لكنها تحمل الكثير من الجمال والمعنى، وهذا ينعكس في أسلوبي، سواء في وصف المشاهد أو في بناء الأحاسيس داخل النص. بالنسبة لي، الأمومة ليست مجرد مرحلة، بل عالم كامل، وفيض من الحب والأمان يثري كل كلمة أكتبها.

 

  • على الرغم من صغر سنك، أصدرتِ كتابين متتابعين خلال عامين فقط. ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتبة شابة وكيف تغلبتِ عليها؟

بصفتي كاتبة شابة، واجهتُ عدة تحديات في بداياتي؛ كان أبرزها التعامل مع النظرة المجتمعية التي تستخف أحيانًا بقيمة الأعمال الأدبية، إضافة إلى صعوبة تنظيم الوقت وسط انشغالات الحياة اليومية، كما كان عليّ أن أتجاوز الشك الذاتي والخوف من عدم قدرتي على إيصال أفكاري بوضوح وعمق.

تغلبت على هذه التحديات بالإصرار على الكتابة يوميًا، والمثابرة على تطوير أسلوبي، والقراءة المستمرة التي كانت مصدرًا مهمًا للإلهام، وما منحني القوة أكثر هو يقيني الداخلي بأن لكل نص أكتبه قيمة تستحق أن تُروى، وأن شغفي بالكتابة هو القوة الدافعة التي تجعلني أواصل الطريق مهما كانت العقبات.

 

  • في “لعنة ريانا” تعالجين الألم والانتقام، بينما في “همسات تحت ضوء القمر” هناك صمود وأمل، هل هذه التناقضات تمثل جزءًا من تجربتك الشخصية؟

نعم، التناقضات التي تظهر في كتاباتي ليست مجرد عناصر سردية، بل هي امتداد مباشر لمشاعري وتجربتي الإنسانية. في “لعنة ريانا” أتناول الألم والانتقام، وهي مشاعر قد تراود أي شخص حين يختبر الظلم أو الخيانة. أما في “همسات تحت ضوء القمر”، فأركز على الصمود والأمل، وهي المشاعر التي أسعى دائمًا للتمسك بها في حياتي اليومية.

هذا التباين بين الحزن والرجاء، وبين الضعف والقوة، يعكس الصراع الداخلي الذي نعيشه جميعًا. فالحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل مزيج متقلب من الانكسارات والانتصارات، وهذا ما يجعل التجربة الإنسانية ثرية وصادقة. لذلك، أحرص على أن تنقل كتاباتي هذا العمق، وأن تعكس حقيقة المشاعر التي تشكلنا وتعيد تشكيلنا باستمرار.

 

  • كيف تصفين أسلوبك في الكتابة؟ هل تميلين أكثر إلى الإبداع العاطفي، السرد الواقعي، أم المزج بينهما؟

أرى أن أسلوبي هو مزيج بين الإبداع العاطفي والسرد الواقعي. أحرص على أن تنبض الشخصيات بمشاعرها الحقيقية، وأن تتحرك الأحداث بسلاسة تحفظ تماسك الفكرة وروح النص. ما يشغلني دائمًا هو أن يشعر القارئ بالجانب الداخلي للشخصيات، أن يلامس ألمها وفرحها وصراعها، وفي الوقت نفسه يعيش تفاصيل الواقع الذي تطفو منه تلك الحكايات.

بالنسبة لي، الكتابة ليست مجرد نقل للأحداث، بل بناء تجربة عاطفية وفكرية متكاملة؛ حيث تحمل كل كلمة معناها ووزنها الخاص، وتصنع مع بقية الكلمات حياة كاملة على الصفحة. 

 

  • كونك قارئة أيضًا، كيف تؤثر قراءتك على كتاباتك؟ وهل هناك كُتاب أو أعمال ألهموك بشكل خاص؟

القراءة بالنسبة لي ليست مجرد متعة أو هواية، بل مدرسة دائمة تُغذّي خيالي وتُثري لغتي وأسلوبي، كل كتاب أقرؤه يفتح أمامي آفاقًا جديدة للتفكير، ويعلّمني طرقًا مختلفة للتعبير عن المشاعر والأفكار، سواء في الرومانسية أو الغموض أو الرعب.

هناك أعمال وكُتّاب تركوا أثرًا عميقًا في نفسي وساهموا بشكل كبير في صقل قدرتي على بناء الشخصيات وصياغة الأحداث، بطريقة تجعل القارئ يعيش الرواية بكل حواسه، من بين هؤلاء، أستذكر أحمد آل حمدان، جبران خليل جبران، محمود درويش، وعمرو عبد الحميد.

قرأت الكثير من الكتب، لكن بعض الأعمال كان لها أثر خاص في تشكيل أفكاري ومسيرتي الإبداعية، أول رواية قرأتها وكانت نقطة البداية لعالم القراءة ومن ثم الكتابة كانت “أنت”، تلاها “أرض زيكولا”، و”أنت أيضًا صحابية”، و”ليطمئن قلبي”، و”رسائل من القرآن” لأدهم شرقاوي، إلى جانب أعمال أحمد آل حمدان ورواية “الأجنحة المنكسرة” لجبران خليل جبران، والعديد من الكتب الأخرى التي شكلت ركيزة أدبية وأثرت في رحلتي ككاتبة.

القراءة تمنحني تلك القدرة على المزج بين الخبرة الأدبية والعمق العاطفي، وهو ما ينعكس مباشرة في كل ما أكتبه ويمنح نصوصي روحها الخاصة.

 

 

  • لو جلستِ الآن مع قرائك، ما الرسالة الأولى التي تحبين أن يسمعوها عن الحياة والصبر والإبداع؟

لو جمعتني جلسة بقرّائي، لكانت رسالتي الأولى أن الحياة لا تخلو من التحديات، لكن الصبر والإيمان بالنفس هما المفتاح الحقيقي لعبور كل الصعاب. أؤمن أن الإبداع ليس هبة جاهزة يولد بها الإنسان، بل هو رحلة طويلة من المثابرة والاكتشاف الذاتي.

سأخبرهم أن الألم جزء طبيعي من النمو، وأن كل تجربة —مهما كانت مؤلمة— تترك صدى يمكن تحويله إلى قوة وإلهام. فالكتابة، مثل الحياة، تعلّمنا أن نرى الجمال في التفاصيل الصغيرة، وأن نعيش مشاعرنا بصدق ووعي.

ذلك الصدق هو سر الإبداع الحقيقي.. وهو الجسر الذي يجعل العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة إنسانية عميقة لا تُنسى.

 

 

 

  • كيف تبدو لحظات الكتابة بالنسبة لك؟ هل هي مليئة بالعاطفة والانفعال أم بالسكينة والتأمل؟

لحظات الكتابة بالنسبة لي هي مزيج معقّد من العاطفة والسكون الداخلي. في كل مرة أكتب فيها، أعيش المشاعر التي أتحدث عنها بكل تفاصيلها؛ فرحًا وألمًا وحزنًا وأملًا وصمودًا، وكأنني أتنقّل بين عوالم متعددة في اللحظة نفسها.

الكتابة تمنحني مساحة لأرتّب أفكاري وأواجه أعماقي بصدق، فهي لحظات حقيقية تجمعني بذاتي بعيدًا عن ضجيج العالم.

بالنسبة لي، القلم ليس أداة فحسب.. بل هو مرآة للروح تكشف ما تخفيه الكلمات أحيانًا أكثر مما تُظهره.

 

  • كيف تنظّمين وقتك بين الكتابة، الأمومة، والحياة اليومية؟ وهل تجدين صعوبة في الموازنة بين هذه الجوانب؟

تنظيم الوقت بالنسبة لي يمثل تحديًا يوميًا، فكل جانب من حياتي له أهميته الخاصة. الأمومة تتطلب حضورًا كاملًا واهتمامًا تامًا مع ابني، بينما الحياة اليومية ومسؤولياتها لا تقل أهمية، والكتابة هي شغفي الذي يغذي روحي ويمنحني شعورًا بالتحرر.

لتحقيق التوازن، أضع خطة دقيقة لكل يوم، وأستثمر كل لحظة متاحة في الكتابة، رغم الصعوبات والتحديات. تعلمت أن الصبر والانضباط وترتيب الأولويات هما سر النجاح في الموازنة بين هذه الجوانب، وأن كل لحظة أخصصها للكتابة تمنحني قوة أكبر لمواجهة بقية مسؤولياتي والتفاني فيها.

 

  • أخيرًا، ما الذي يمكن أن نتوقعه منك مستقبلًا؟ هل ستستمرين في عوالم الرعب والغموض، أم تفكرين في مفاجآت أدبية جديدة تمامًا؟

أتطلع إلى الاستمرار في الغوص داخل عوالم الأدب المتنوعة، مع التركيز على تطوير أسلوبي وإثراء تجربتي في الرواية، قد أستمر في عالم الغموض والرعب، لما يتيحانه من فرص لاستكشاف النفس البشرية وعمق المشاعر، وفي الوقت نفسه أسعى لتقديم مفاجآت أدبية جديدة تنقل القراء إلى تجارب متنوعة ومثيرة، تحمل معانٍ إنسانية عميقة ورسائل صادقة عن الحياة والحب والصبر.

أطمح أن أظل صادقة مع نفسي ومع قرائي، وأن تكون كل قصة أكتبها رحلة حقيقية، مليئة بالعاطفة والفكر، تجعل القارئ يشعر بالارتباط بالنص والتأمل في جوانب حياته اليومية.

 

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك