“اعترافات أويحيى خطيرة وتفرض فتح تحقيق ابتدائي”

يرى مولود بومغار، المحاضر الدولي في القانون العام، أن اعترافات الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، تستدعي بشكل مستعجل فتح تحقيق حول ظروف وملابسات تلقي هذه الهدايا ذات القيمة الكبيرة، كون القوانين الجزائرية تجرم الحصول على مزايا غير مستحقة لموظف عمومي، كما أن الجزائر من المصادقين على اتفاقيات دولية تمنع مثل هذه الممارسات.

الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، صرح أنه تلقى هدايا من أمراء خليجيين في شكل سبائك ذهب وأعاد بيعها في السوق السوداء مقابل 35 مليار سنتيم. كيف يمكن تكييف هذه الاعترافات من الناحية القانونية؟

الوقائع ما زالت غامضة ولا بد من توضيحها من طرف المتهم والقضاء طبعا. يبدو أن المتهم أويحيى قبل مزية غير مستحقة بصفته موظفا عموميا بمفهوم قانون 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته. يجب تحديد مقابل هذه المزية.

العقوبة المنصوص عليها في قانون 2006 إن كان غرض المزية غير المستحقة قيام الموظف العمومي بعمل من واجباته أو امتناعه عن أدائه، هي الحبس من سنتين إلى عشر سنوات. نفس العقوبة تنطبق على استغلال النفوذ المنصوص عليه في المادة 32 من نفس القانون. واعتمادا على الوقائع التي لم يتم تحديدها بعد، فإذا افترضنا أن المتهم تلقى هذه “الهدايا” بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة (…)، فإننا في مجال الرشوة والعقوبة أشد بكثير، حيث أن أدناها عشر سنوات حبسا وأعلاها عشرين سنة. فلا بد من توضيح الوقائع لتحديد فترتها الزمنية ونوعية الجريمة.

هل في رأيك يجب فتح تحقيق منفصل في هذه القضية، خاصة أن أويحيى ذكر في تصريحاته أنه لم يكن الوحيد الذي تلقى مثل هذه الهدايا؟

لا أرى كيف يمكن توضيح الوقائع وكذا تحديد المواد القانونية الواجب تطبيقها والمسؤولية الجنائية للمتهم دون، على الأقل، فتح تحقيق ابتدائي. إن خطورة هذه الاعترافات التي تدور حول احتمال إرشاء أطراف أجنبية لمسؤولين شغلوا مناصب في أعلى هرم الدولة، تفرض السرعة في التحري والتحقيق حول الوقائع، وكشف ما إذا كان الأمر يتعلق بشخص واحد أو بشبكة كانت تستغل مناصبها في الحصول على أموال مقابل التستر على خرق قوانين الجمهورية.

أويحيى تحدث في اعترافاته أن الأمراء الخليجيين كانوا يقدمون هذه الهدايا خلال قدومهم للجزائر في رحلات الصيد بالصحراء الجزائرية.. هل يعني ذلك أن عملية الصيد هذه كانت تنطوي على مخالفات للقانون؟

لست مختصا في قانون البيئة، ولكن على حسب ما ذكرت الصحافة، فإن هؤلاء الأشخاص يحبون صيد الحبارى للتسلية، في الجزائر خاصة. ويعد هذا الطير من ضمن الحيوانات المحمية بمرسوم منذ 1983.

ولكن نفس المرسوم يمكن الوزير المكلف بالبيئة من منح ترخيص بصفة استثنائية لاصطياد الحيوانات المحمية التي هي كذلك موجودة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة. من جهة أخرى، هناك على الأقل اتفاقية مع دولة خليجية لإقامة مركز لتكاثر طيور الحبارى في الجزائر.

هل “الهدايا” لها علاقة بتحضير وتوقيع هذه الاتفاقية ؟ هل الطرف الأجنبي يحترم التزامه باحترام التشريع الجزائري والاتفاقيات الدولية الخاصة بالأنواع المهددة ؟ كل هذه الأسئلة مفتوحة ولا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال التحقيق في تصريحات المتهم أحمد أويحيى وغيره من المسؤولين الذين قد يكشفهم التحقيق.

هل هناك في القوانين والاتفاقيات الدولية ما يحرم تلقي مثل هذه الهدايا أم أن الأمر خاضع لقوانين الدول الداخلية؟

بالتأكيد يوجد، وأهمها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم إصدارها في 21 نوفمبر 2003، وصادقت عليها الجزائر وكذلك دول الخليج مثل السعودية سنة 2013 والإمارات العربية المتحدة سنة 2006 وقطر سنة 2007، وهم بذلك أخذوا التزاما بتجريم هذا النوع من الممارسات، رغم أنني لا أدري، للأمانة، مدى تطبيق ذلك حقيقة في تشريعاتهم الداخلية.

وتنص المادة 16 من هذه الاتفاقية على أن كل دولة طرف في الاتفاقية، عليها أن تعتمد “ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم القيام، عمدا، بوعد موظف عمومي أجنبي أو موظف مؤسسة دولية عمومية بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية، من أجل الحصول على منفعة تجارية أو أي مزية غير مستحقة أخرى أو الاحتفاظ بها فيما يتعلق بتصريف الأعمال التجارية الدولية”.

كما تنص هذه المادة في بندها الثاني، على أن كل دولة طرف عليها أن تنظر “في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم قيام موظف عمومي أجنبي أو موظف في مؤسسة دولية عمومية عمدا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتماس أو قبول مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية”.

كيف يمكن أن تؤثر مثل هذه الاعترافات على صورة الجزائر خارجيا؟

في الواقع، تعطي مثل الاعترافات صورة سلبية جدا عن الجزائر، فإذا كان أعلى المسؤولين في الدولة يقبلون رشاوى من قبل أجانب للسماح لهم بممارسة نشاط تسلية، فكيف يكون الأمر عندما يتعلق باستثمارات بملايير الدولارات. المستثمر الأجنبي في هذه الحالة، عندما يأتي من دول تشدد قوانينها في معاقبة مثل هذه السلوكيات، سيراجع نفسه كثيرا قبل أن يخطط للاستثمار في الجزائر.

ظلت الجزائر تقبع في مراتب متدنية في مجال مكافحة الفساد دوليا.. هل مثل هذه القضايا تؤكد أن الفساد كان معمما في الفترة السابقة؟

يبدو أن الفساد كان ولا يزال معمما. القوانين مهما كانت دقتها فإنها لا تطبق وحدها. لا بد أن تكون هيئات المتابعة محمية من الضغوطات وأن يكون القضاء مستقلا وتتوفر إرادة سياسية قوية للقضاء على الفساد. إن كشف مثل هذه الممارسات بمنطق تصفية الحسابات داخل النظام لا يمكن أن يكون مفعوله إلا محدودا، لأن هذه الطريقة لا تؤدي إلى توضيح دقيق لميكانيزمات الفساد وتفكيك شبكاته وهياكله، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في الفضيحة المعروفة باسم خليفة.
لماذا في رأيك لم تردع قوانين محاربة الفساد والهيئات المتخصصة في محاربة الفساد المسؤولين عن مثل هذه الممارسات؟

القوانين لا تكفي وحدها حتى وإن كانت ممتازة. التغيير السياسي وبناء مؤسسات ذات شرعية ديمقراطية خاضعة للمحاسبة قد تسهل تطوير ثقافة محاسبة المؤسسات، والقضاء على ثقافة اللاعقاب أو العقاب الانتقائي حسب عوامل سياسية ظرفية.

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك