نشاط محتشم للمترشحين لـ”المحليات” في البليدة

معظم برامجهم تُقدم في شكل وعود شفوية

تحركت عجلة المشهد السياسي قليلا في ولاية البليدة مع بداية الأسبوع الحالي، وهذا بعد برودة ميزت الحملة الانتخابية مع انطلاقتها يوم الجمعة المنصرم تحسبا لانتخابات المجلس الولائي والمجالس البلدية المبرمجة في 27 نوفمبر الحالي، غير أن نشاط المترشحين الذي بلغ عددهم 2518 يبدو محتشما وهناك من يعتبره ضعيفا.

ولأنها تزامنت مع نزول الغيث بتساقط أمطار غزيرة استبشر بها المواطنون خيرا، فإن الحملة الانتخابية في جل بلديات البليدة تسير بشكل قد لا يلبي طموحات الراغبين في خوض تجربة التسيير في البلديات أو الولايات في الفترة القادمة، بإعطاء اللامركزية دورا مهما في تسيير الشؤون العامة، كما تظهر عدم التعبئة بهذا الاستحقاق الانتخابي في وقت يعاني المواطن البسيط من غلاء الأسعار، والذي يؤرق سكان ولاية البليدة والجزائريين على حد سواء.

شبهة الفساد أبعدت المؤثرين بالمال

ويرى بعض العارفين ممن تحدثتا اليه بأن المادة 184 من قانون الانتخابات التي أقصت بها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات المئات من المترشحين جلهم منتخبين سابقين بسبب شبهة الفساد، هي التي أزاحت الفئة التي غالبا ما تنجح في تعبئة الرأي العام بإقامة تجمعات ناجحة، وبفضل تمويلها الناجح الذي غالبا ما يكون بأموال مشبوهة.

وجاء إقصاء المترشحين المشتبه فيهم لتأكيد حرص السلطات العمومية على تجديد الهيئات المنتخبات ومؤسسات الدولة لتمارسها الوظائف المنوطة اليها بنزاهة، علما أن البليدة شهدت إقصاء مترشحين للانتخابات التشريعية من رجال الأعمال وأشخاص سبق لهم تمثيل الشعب بسبب نص مادة مشابهة تم وضعها في الأمر 21-10 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الذي تم إصداره في 10 مارس 2021 ضمن الإصلاحات السياسية والدستورية لبناء الجزائر الجديدة.

ولأن المال هو عصب الحرب فإن الإمكانيات المالية المحدودة للمترشحين جعلتهم لا يظهرون للعيان رغم أن كثير منهم معروف بنزاهته ويُمكنه أن يقدم الإضافة في تسيير المجالس البلدية أو المجلس الولائي، لكن عدم توظيف المال الفاسد هذه المرة من أهم ميزات الحملة الانتخابية بعد اعتراض طريق هؤلاء الذين تعودنا على بروزهم في المناسبات السياسية ويؤثرون على المشهد بما يجنونه من أموال غير مشروعة، أو تعمل جهات لديها مصالح على تمويلهم تحسبا للحصول على صفقات أو امتيازات لاحقا.

دخلاء على السياسة دخلوا المعترك الانتخابي

ومن خلال عمل استطلاعي قمنا باستقاء معلومات ومعطيات من الفاعلين في المحيط السياسي، تبين لنا بأن كثير من قوائم المترشحين تضم أشخاص لم يسبق لهم العمل النضالي سواء في حزب سياسي أو في جمعية أو نقابة أو أي تمثيلية كانت، وأن أغلبيتهم لا يجيد استغلال وسائط التكنولوجيات الحديثة للاتصال، وقلة منهم من روج لنفسه بإجراء حملته الانتخابية في “فايسبوك”، كما ترشح أسماء ليس لها ماضي في السياسة وليس غريبا ان يغيبوا في العالم الافتراضي مادام الخطاب سياسي المقنع يحتاج إلى مهارات لتأديته سواء في التجمعات الشعبية بالقاعات أو الساحات العمومية، أو بتقنية البث المباشر عبر موقع التواصل كما يٌفضل البعض الاتصال مع الهيئة الناخبة التي يقدر عددها بـ709110 ناخب.

وسجلنا بأن البرامج السياسية للمترشحين تظهر في شكل وعود شفوية لتحقيق التنمية وتوفير حياة كريمة للمواطنين وحل مشاكلهم التي يعانون منها، وهو ما يطرح تساؤلات فيما يخص إجبارية ايداع برنامج انتخابي مكتوب لدى السلطة المستقلة للانتخابات لتصفحه ومعرفة ما إذا يتوافق مع السياسة العامة للدولة ويحقق مصالح الجماعات الإقليمية التي هي منفصلة عن المصالح الوطنية.

أحرار أصبحوا نظاميين في أحزاب

توقفنا أيضا بتسليط الضوء على العملية السياسية في ولاية البليدة وما صاحبها من متغيرات، بأن مترشحين لم يسعفهم الحظ في الفوز في الانتخابات التشريعية بعد ترشحهم في قوائم حرة، فقرروا الانخراط في أحزاب والترشح تحت لوائها لعل وعسى يستطيعون تحقيق هدفهم بتمثيل الشعب.

وبهذه الخطوة أكدت هذه الفئة تمسكها بطموحاتها السياسية من جهة، و من جهة ثانية بأن تشكيل القوائم الحرة يُصعب عليها منافسة الأحزاب التي لديها قاعدة شعبية شكلتها بعد سنوات من النضال، ولديها إطارات باستطاعتهم التأثير في المشهد السياسي بأدوات مختلفة قد يفتقدها من يدخلون المعترك السياسي في قوائم مستقلة تُشكل كلما اقترب موعد انتخابات سواء أكانت تشريعية أو محلية.

ومن المترشحين الذين تركوا ثوب الأحرار وانخرطوا في أحزاب ، الدكتور الإخصائي بمستشفى ” فرانتز فانون” عبد القادر بزاري في قائمة “صوت الشعب” في بلدية الشفة، كمال خليفاتي في قائمة جبهة التحرير الوطني في بلدية مفتاح، ومروان خميري وهلال عشيقة في قائمة الجبهة الوطنية الجزائرية في بلدية واد العلايق، مع الإشارة إلى أن هذا الأخير تعذر عليه الترشح لـ” التشريعيات” الأخيرة لعدم توفيقه في الانضمام إلى قائمة حزبية.

ولا شك أن نتائج انتخابات المجلس الشعبي الوطني التي فاز بمعظم مقاعدها المخصصة في ولاية البليدة لمترشحين في قوائم حزبية، هو الذي دفع بالمترشحين للانخراط في أحزاب بدلا من القوائم الحرة، والدليل هو أن المندوبية الولائية للبليدة استقبلت 96 قائمة مترشحين للمجالس البلدية، 30 منها حرة و66 حزبية، و7 قوائم مترشحين للمجلس الولائي، موزعين على 6 قوائم حزبية وقائمة مستقلة وحيدة.

ولعل ما يعزز أن فرضية الترشح في حزب أفضل من قائمة حرة، هو انخراط المترشحين في أحزاب غير معروفة و تحاول في البروز، كما هو الحال بالنسبة لحزب “النضال” الذي نشط تجمعا السبت المنقضي بمدينة الأربعاء.

“حمس” يفقد بريقه ويحن لأيام نحناح

وإذا كانت بعض الأحزاب تحافظ على مكانتها رغم تراجعها الطفيف على غرار الحزب العتيد ” الأفلان ” فإن بعض الأحزاب بدأ تفرض نفسها تدريجيا، ويتعلق الأمر بحركة البناء الوطني التي انخرط فيها الكثير من المناضلين سبق لهم تمثيل حركة مجتمع السلم سابقا، خاصة وأن كلا هذين الحزبين مصنفين من الأحزاب الإسلامية، فيما يبدو حزب “صوت الشعب” يكبر وينمو في البليدة بالرغم من عدم فوزه بأي مقعد في الولاية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ولا شك أن تقدم هذا الحزب واتساع قاعدته الشعبية راجع إلى أن مؤسس الحزب ورئيسه هو ابن المنطقة لمين عصماني الذي شغل سبق له تمثيل الشعب في البرلمان، وعرف الأستاذ الجامعي في القانون كيف تؤكل الكتف ليضع مكانة لحزبه الفتي في الساحة السياسية الذي تم تأسيسه في 27 أفريل 2019.

وبالمقابل تراجعت بعض الأحزاب الأخرى كما هو الحال للجبهة الوطنية الجزائرية، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم خاصة هذه الأخيرة التي ظلت تفوز بمقعد على الأقل كلما تجرى الانتخابات التشريعية، لكن في المرة الأخيرة لم تفز بأي مقعد في الغرفة السفلى للبرلمان، ويٌشكل ذلك ضربة موجعة لهذا الحزب ظل يهيمن على المشهد منذ تأسيسه من قبل الراحلين محمد بوسليماني ومحفوظ نحناح وهما من أنباء البليدة.

ولاشك أن هذا الحزب بات بحاجة إلى إعادة الهيكلة من جديد لاستعادة بريقه المفقود، كما يتوجب على مناضلي هذا الحزب رفع وتيرة النضال خاصة وأنه يملك قاعدة شعبية في كثير من بلديات الولاية، ومن الطبيعي إجراء دراسة لمعرفة الأسباب التي جعلت هذا الحزب يتراجع في معاقله، ومن البديهي تحميل مناضليه الحاليين مسؤولية التخلف المسجل.

مُترشح يُخرج الخطاب السياسي عن المألوف

وتأثر المترشحين بغياب التمويل الذي بسببه لم يتمكن أغلبيتهم في استئجار محلات لوضع مناوبات بها لأجل التقرب من المواطنين والإشهار لهم، كما أن برودة الطقس حالت دون استقطاب عدد أكبر من المواطنين خلال القاعات أو المقاهي الذي فضل البعض القاء خطابات سياسية بها.

وتمحور الخطاب السياسي لهم حول معالجة الكثير من المشاكل التي تتعلق بنقص المرافق مثل قاعات العلاج والطرقات والماء الشروب، غير أن بعض المترشحين ممن لديهم الخبرة والكفاءة العلمية تطرقوا إلى أمور أخرى ذات أهمية، بل هي تراكمات ورواسب الماضي المتخلف حان الوقت للنظر فيها.

وفي هذا الصدد يرفع المترشح هلال عشيقة في قائمة ” الأفنا” في بلدية واد العلايق، التحدي للتسوية العقارية للبنايات التي انجزت في وقت سابق بدون رخصة، ولأجل ذلك قام بافتتاح صفحة خاصة تحمل اسم ” واد العلايق الجديدة” ويبث تدخلاته مساء كل يوم على المباشر عبر ” فايسبوك”.

ويُعول محدثنا على خبرته بصفته موظفا في الوكالة العقارية لولاية البليدة، حيث سبق له تسوية عدة عقارات في بلديات مختلفة بالولاية، وبحسبه فإن القوانين الحالية بحاجة إلى تعديل لتسوية العقارات المصنفة داخل المحيط العمراني، والمصنفة خارج المحيط العمراني ويطبق على كل منهما قانون يختلف عن الأخر، مشيرا إلى المنطقة الريفية بحاجة إلى قانون توجيه جديد يطبق عليه لتسوية البنايات بها.

كما تطرق هذا المترشح إلى السكنات المنجزة في المزارع سواء في بلدية واد العلايق أو بلديات أخرى يضمها سهل متيجة، وهي تجمعات سكانية توسعت بمحاذاة بنايات أخرى تصنف على أنها مخلفات الاستعمار، وقال بأن هذا الصنف يطبق عليه قانون خاص به كما هو للمحتشدات التي تم تشييدها في الفترة الاستعمارية أيضا.

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك