مسرح قالمة يطرح مأساة الجزائريين المنفيين إلى كاليدونيا

يخوض المسرح الجهوي محمود تريكي بولاية قالمة تجربة الاشتغال على واحدة من أبلغ صور المعاناة والمقاومة التي سجّلها الجزائريون عبر تاريخهم الحديث، من خلال عمل مسرحي يحمل عنوان “كاليدونيا”.

ويستمدُّ هذا العمل تفاصيله من قصة النفي القسري الذي أقدمت عليه السلطات الاستعمارية الفرنسية في حق عشرات الجزائريين الذين شاركوا في المقاومة الشعبية التي جرت أحداثها بين سنتي 1870 و1871، حيث تمّ التخلُّص منهم بإبعادهم إلى كاليدونيا الجديدة، واستقرّ المئات منهم، إلى غاية اليوم، في هذا البلد، بينما عاد بعضهم إلى الجزائر، بعد سنوات من عملية النفي والإبعاد.

وتشتغل المسرحية، بحسب ما كشف عنه عبد الرزاق مسعودي، مسؤول العلاقات الخارجية بالمسرح الجهوي بولاية قالمة لوكالة الأنباء العمانية، على تلك المأساة التي لم يتمّ التطرُّق إليها من قبلُ عبر المسارح الجزائرية، وقد قام د.جلال خشاب ببلورة فكرة العرض، بمشاركة عدد من الممثلين الذين سيقومون بأداء أدوار المسرحية التي تُعرض خلال شهر سبتمبر 2018 على خشبة مسرح عنابة الجهوي.

وقد انتقت لجنةٌ وطنية كُلّفت بدراسة عدد من الأعمال، مسرحية “كاليدونيا” من بين 30 نصّاً قُدّمت للمنافسة. وقال رشيد جرورو، مدير المسرح الجهوي محمود تريكي، إنّ ما لا يقلُّ عن 50 ممثلاً من مختلف الولايات، تقدّموا بطلبات مشاركة في هذا العمل المسرحي التاريخي، لكن لجنة الانتقاء اختارت طاقم تمثيل وتقنيين من ولاية قالمة، نظراً لما تتوفر عليه المنطقة من مواهب وطاقات كبيرة في مجالات التمثيل والسينوغرافيا والموسيقى.

ويُصوّر هذا العمل الدرامي، عبر شخصيته الرئيسية (عبد الله)، فكرة التمسُّك بأرض الوطن والهوية، رغم بُعد المسافات والجغرافيا التي تحول بينه وبين حلم العودة من جديد إلى الجزائر.

وإلى جانب وصف المعاناة، التي تجشّمها بطل المسرحية، يتناول النصُّ شواهد مؤثّرة من صور الإخلاص للوطن وأرض الأجداد والحب التي تتحوّل، شيئاً فشيئاً، عبر فصول المسرحية، إلى سبب من أسباب الوجود والمقاومة في تلك المنافي البعيدة.

ومن تلك الصور، يُقارب هذا العمل المسرحي، فكرة أنّ الابتعاد الجسدي لعبدالله، لم يقضِ على الوشائج التي ربطته بالأرض والزوجة مريم وبالمبادئ التي نشأ عليها، وظلّ يُراسل أهله مدوّناً ذكرياته، التي تراوحت بين حلم وألم، مُحتفظاً بأوراق زيتون وسُبحة ذكْر لازمته طيلة حياته، وكانت أوراق الزيتون والسُبحة كلّ ما أخذ من أرض الوطن عندما شمله قرار التهجير المشؤوم.

ومع أنّ عبد الله تزوّج من أوروبية تُدعى “روز”، وأنجب منها أولاداً، إلا أنّ ذلك لم يُنسه وطنه وترابه وتاريخه، حيث بقيت أصواتٌ خفيّةٌ تناديه من الأعماق وتلازمه مثل ظلّه في فضاء متوحش، لتُذكره باستمرار بأرضه المغتصبة، ولم تخبُ في قرارة نفسه جذوة الإيمان بعودة الروح والجسد إلى تلك الديار البعيدة التي غادرها مُرغماً، وهو الأمر الذي تُصوّره المسرحية في فصلها الأخير.

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك