صدر مؤخراً عن مؤسسة دار الأمة، كتاب يحمل عنوان ” تجربة النقد ونقد النقد عند جورج طرابيشي “، للأستاذ الباحث كريم جدي. وهو كتاب يتناول بالدراسة و التحليل، مدونات النقد لدى المفكر السوري الراحل جورج طرابيشي.
و توزّع الكتاب على تقديم للناقد والمترجم الجزائري البروفيسور أزراج عمر، ومقدمة لصاحب الكتاب، تحدث فيها عن خطة البحث والخطوط العريضة للمدونة، من أسباب ذاتية وموضوعية ومنهج الكتاب والتقسيمات والفصول والمباحث. حيث حمل الجزء الأول عنوان : طرابيشي من النقد الأدبي إلى النقد الفلسفي.
و افتتح الفصل الأول بطرابيشي وسؤال النقد الأدبي، متناولا فيه المرحلة الأولى للشخصية المدروسة. بداية بأولى أعماله التي تندرج ضمن حقل النقد الأدبي. والتي كانت لأعمال الأديب المصري الراحل الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ، و من ثم بعض الأعمال النقد-أدبية الأخرى كمدونات نوال السعداوي، وكتابات توفيق الحكيم، مستعملاً في ذلك منهج التحليل النفسي.
المبحث الثاني تناول فيه مسألة الترجمة في العالم العربي والإسلامي ومأساتها. ومن قتل هذه التجربة الثقافية داخل المجال التداولي الحضاري للذات العربية والإسلامية. أين حفر عميقا في تاريخ حركات الترجمة في بداياتها مع العصر الأموي وانتعاشها في العصر العباسي. ووصولها للذروة مع الخليفة المأمون. ومن ثم بداية أفولها مع الانقلاب المتوكلي. وصولا إلى تدهورها كاملا مع الخليفة الغزنوي وصدور مرسوم تحريمها مع الإمام الحنبلي الشهرزوري.
في المبحث الثالث تناول مسألة ” رؤية المفكر طرابيشي للحداثة في البيئة العربية والإسلامية ” وٱليات إنتاجها وإعادة العقلانية إلى سكّتها وطريقها الصحيح. وكيفية توليد سؤال النقد والمراجعة والبحث عن تأسيس شرعية الحاضر بعد أن فقد الماضي شرعيته. مختتما الفصل الأول بمسألة الفلسفة كفاعل مهم في الحقل المعرفي لإنتاج رصيد حضاري ناقد.
أما الفصل الثاني فخصصه الباحث كريم جدي لمشروع طرابيشي المركزي ” مشروع نقد نقد العقل العربي ” الذي مكث فيه ربع قرن من البحث والتحليل والتمحيص، لمشروع الفيلسوف المغربي الراحل محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي. وهذا الفصل تكمن أهميته بأنه ركز على مكمن الاختلاف بين أهم المشاريع الفلسفية في القرن العشرين.
ففي الوقت الذي يتهم فيه الجابري العناصر الخارجية في المساهمة المباشرة لاستقالة العقل العربي عن إنتاج المعرفة والفكر النقدي. جورج طرابيشي يعلق أسباب الأفول على المكونات الداخلية التي ساهمت بشكل فعال في توليد ظاهرة العقل المستقيل. العقل الذي أصبح لا ينتج معرفة وثقافة.
وقد كان الجابري – حسب كتاب كريم جدي – يتهم الشيخ الرئيس ابن سينا بأنه المدشن الفعلي للحظة أفول العقلانية العربية والإسلامية. بينما طرابيشي حاول بكل الطرق إخراج أبي علي ابن سينا من قفص الاتهام. وتنطع بالدفاع عنه، ولعب دور محامي الدفاع عن الشيخ الرئيس، وفق رؤيته ومبرراته. وهذا ما تم عرضه في هذا الكتاب.
دون نسيان مبحث هام جدا، وهو مبحث العلمانية التي اختلف في تعريفها وتحديد عتباتها ومضامينها هذان المفكران. وقد ركز الباحث كريم جدي في كتابه على تبيان مكمن الاختلاف بين الفيلسوفين في هذه المسألة.
وأخيرا جاء المبحث الأخير حول العقل المستقيل بين هذين الرجلين، وفي هذا الكتاب يفصل الباحث كريم جدي رؤية الأول والثاني وأسبابهما و متعلقاتهما.
أما الخاتمة فكانت خلاصة ما توصل له كريم جدي، من خلال البحث و أهم النتائج التي قدمها وعرضها في شكل نقاط مختلفة ومهمة لرحلة هذا الكتاب.
الكتاب يلاحظ فيه اعتماد الباحث على مصادر متنوعة ومختلفة أجنبية وعربية.. تراثية وجديدة. تدل على أن صاحب الكتاب موسوعي في تكوينه حيث نهل من مختلف المشارب والمراجع وهذا الكتاب بحق يعد رائدا في مجال الدراسات النقدية والفلسفية.