تدور رواية «فستق عبيد» بشكل رئيسيّ بين قارتين؛ إفريقيا (السودان، الجزائر، ليبيا) وأوروبا (البرتغال). في الجزء الأوّل تجري الأحداث على تخوم الصحراء السودانيّة؛ مجلس يحكي فيه الجدّ السودانيّ (كامونقة) عن ماضيه في العبوديّة حين أُخذ عبدًا لتاجر سمسم من كردفان ( التيجاني) ليبقى مرتحلًا على أسنمة الجمال في رحلة طويلة، قاطعًا خلالها 800 كيلو متر بأسبوعٍ وليلتين من بلاد دارفور في غرب الدنيا إلى الشرق عبر درب الأربعين حيث القفار والشمس.
خلال السنوات الثلاث الماضية عالجت ستّ روايات عربيّة موضوع العبوديّة في الوطن العربيّ، ثلاث منها تناولت العبوديّة في فترة نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين في السودان، وهي: «شوق الدرويش» للسودانيّ حمور زيادة، و«كتيبة سوداء» للمصري محمد المنسي قنديل، و«فستق عبيد» للأردنيّة سميحة خريس.
أمّا الروايات الأخرى فكان من بينها رواية «بابنوس» لخريس والتي تناولت العبوديّة بعد منتصف القرن العشرين في السودان أيضًا. فيما تناولت روايتان العبوديّة خارج السودان: «زرائب العبيد» لليبيّة نجوى بن شتوان عن العبوديّة في ليبيا، و«ثمن الملح» للبحريني خالد البسّام عن العبودية في جزء من الجزيرة العربيّة.
وتواجدت الروايات التي تعالج العبوديّة في قوائم الجوائز العربيّة لثلاث سنوات، وحصلت معظمها جوائز، الأمر الذي يدفعني لأسأل عن الألفة بين موضوع هذه الروايات؛ أي العبوديّة والجوائز العربيّة.
قبل عام تقريبًا من الآن حصلت رواية فستق عبيد لسميحة خريس على جائزة كتارا 2017، وقبل البدء بعرض الرواية، يُذكر أنَّ روايتي خريس «فستق عبيد» و«بابنوس» تتناولان العبودية في السودان، لكن، وهذه نصيحة للذين يرغبون بقراءة العملين، فإنَّ الفترة الزمنيّة التي تناولتها رواية فستق عبيد سابقة على الفترة الزمنيّة التي تناولتها رواية بابنوس رغم صدور بابنوس أولًا، لذا أنصح بقراءة العمل الصادر مؤخرًا ومن ثم الأقدم لتفادي اللبس أو لتحقيق وضوح أكثر في تتبع الأحداث.يدور العمل بشكل رئيسيّ بين قارتين؛ إفريقيا (السودان، الجزائر، ليبيا) وأوروبا (البرتغال). في الجزء الأوّل تجري الأحداث على تخوم الصحراء السودانيّة؛ مجلس يحكي فيه الجدّ السودانيّ (كامونقة) عن ماضيه في العبوديّة حين أُخذ عبدًا لتاجر سمسم من كردفان (التيجاني) ليبقى مرتحلًا على أسنمة الجمال في رحلة طويلة، قاطعًا خلالها 800 كيلو متر بأسبوعٍ وليلتين من بلاد دارفور في غرب الدنيا إلى الشرق عبر درب الأربعين حيث القفار والشمس.
يروي (كامونقة) حكايات الانكسار للأحفاد -من بينهم الطفلة رحمة- بفخرٍ شديد، وهي حكايات تدور عقب ثورة المهدي في السودان (1881-1889) الذي كان جيشُه من العبيد المحرّرين من التجّار، أمّا المكان فبيْن أم درمان وكردفان.
لا تعرض سميحة خريس العبودية بصورتها المتعارف عليها (الأبيض يشتري، و الأسود يُباع)، ثمة الكثير من صور العبوديّة التي تناولتها الرواية؛ عبودية الرجل الأسود للرجل الأسود، وعبوديّة الرجل الأسود للتاجر، وعبوديّة الرجل الأسود لرجل الدين. تعرض العبوديّة في أرض السواد، منظورًا لها من السود بدايةً، من جهة التاجر (التيجانيّ): «مقارنة بسواي؛ كنت عبدًا محظوظًا لرفقتي مالكي المهيب المهاب الطيّب، لا أغلال بيننا، ولا سوط ينظم تعاملنا، لا يخطئ أحدنا في فهم الآخر، محسودان على التناغم. (..) في محاولاتي للنسيان صنفت نفسي بصورة مخادعة رجلًا حرًا برفقة التيجاتي الطيب الذي يمتلكني». كان هذا حديث كامونقة العبد لنفسه.
خلال ترحال قافلة التاجر يمرّ كامونقة بمعسكر المهدي؛ إذ ذاك ستسلب العبوديّة الجديدة كامونقة حين يرى العبيد، كل عبدٍ فارٍّ من سيّده إذا ما التحق بالجهاد صار حرًا، عبوديّةٌ حرّة مع المهديّ، هناك يقول كامونقة: «ركبني عفريت اسمه الجهاد، وأنا ما عرفت قبل اليوم أنَّ عليّ أن أجاهد جنديًا؛ أقتلُ الإنجليز أو المصريين، وأسلم أمري بالكامل للخليفة المهدي». يُجري مقارنات العبوديّة في شكلها الأوّل (للتاجر) مع شكلها الثاني (رجل الدين):« يفترُ حماس قلبي إذا سمعت زعيق بوق أبو بايه العاجي، (في معسكر المقاتلين الجهاديين) نفس الصوت الذي يطلقه النخاس ليجمعنا على منصة عرض العبيد في الماضي، بات صداه يجمعنا حول الخليفة في المعسكر».
سيحارب كامونقة المصريين والإنجليز أخيرًا، يرحل في جيش المهديّ، وهناك سيخسر الجيش غزوته، وفي الخسارة ينبني الوعي بعبوديّته، سيشعر أنَّه ليس عبدًا وحسب، بل أسوأ: «أنّي رجل عبد، رجل عبد ميت».