تقرير :كيف تراجع “القمار” في الجزائر؟

خصصت وكالة الأتباء الفرنسية تقريرا طويلا عن ميادين الرهان على الخيول في الجزائر، وعلقت اسباب تراجعها على ما أسمتهم بالاسلاميين الراديكاليين، فقالت: إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، كانت سباقات الخيول تحظى بشعبية واسعة في الجزائر.

لكن منذ ذلك الحين، أسهم ظهور الإسلام الراديكالي، والحرب الأهلية التي اندلعت خلال التسعينيات، فضلاً عن تعزُّز المشاعر الدينية، في تراجع الإقبال على هذه السباقات. وفي أيامنا هذه، لم يعد الشباب في الجزائر يهتمون بهذا النوع من الأنشطة على الإطلاق.

خلال سنوات مجده، وفي عُطل نهاية الأسبوع، كان ميدان سباق الخيل بالخروبة (الذي يُطلق عليه رسمياً اسم ميدان عبد المجيد أوشيش؛ تكريماً لرئيس الاتحادية الجزائرية للفروسية الذي تقلد هذا المنصب بين سنتي 1993 و2004) في الجزائر العاصمة، يُرحب بالمشجعين والمتفرجين المتحمسين لمتابعة هذه السباقات. ولكن بعد تلك الفترة، فقدت هذه الأنشطة بريقها في الجزائر، التي تراجع فيها صيت سباقات الخيول.

ووفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية، يوجد في الجزائر 9 مضامير تسابُق، كما تفتخر الجزائر بكونها الدولة الإفريقية الوحيدة، إلى جانب جنوب إفريقيا، التي تجري فيها سباقات عربات الخيول. ويعود تاريخ أول سباقات الخيل في الخروبة إلى سنة 1909، حين كانت الجزائر خاضعة للاستعمار الفرنسي.

في ذلك الوقت، كانت الخروبة «المكان الوحيد المناسب لإقامة هذا النشاط»؛ نظراً إلى أنه في السنة ذاتها، أقلعت من هذه النقطة أول رحلة جوية لطائرة مجهزة بمحرك في إفريقيا. وبعد مناداته فترة طويلة بـ»بيتي لونشون-petit Longchamp»، وهو اسم ميدان سباق باريسي، تم تحويل ميدان الخروبة إلى حديقة ترفيهية. ولم تتم إعادة فتحه كميدان يحتضن سباق الخيل مرة أخرى إلا في الذكرى المئوية له. وعن الحلبات ومنصات المتفرجين المزيَّنة بلوحات باهتة، كان الحضور ضئيلاً، كما كان أغلب المراهنين من المتقدمين في السن. وخلف شبابيك التذاكر ذات القضبان الحديدية والمصنوعة على الطريقة القديمة، يُسجل موظفو شركة الرهان الحضري المشترك المراهنات بطريقة يدوية (باستعمال الأقلام) على دفاتر صغيرة. على الرغم من بعض التجديدات والإصلاحات، فإن التغييرات التي طرأت على ميدان عبد المجيد أوشيش لا تكاد تُذكر.

حين «يدق ناقوس الخطر»..

يتذكر السيد علي بوعام، الموظف في شركة الرهان الحضري المشترك «PMU»، فرع شركة سباق الخيل والرهان الرياضي المشترك (SCHPM)، أنه «إلى حدود سبعينيات القرن العشرين، استقطبت سباقات الخيل فرساناً وزواراً دوليين». وتجدر الإشارة إلى أن منع المراهنة على السباقات التي تُنظَّم في الخارج منذ سنة 1977، كان بمثابة ضربة قاسية موجَّهة لهذا القطاع، خاصة بعد أن تم حرمان هيئة الرهان الحضري المشترك من مداخيل المراهنة على السباقات الفرنسية. ويعتقد علي بوعام أن هذا الأمر كان بمثابة «دق ناقوس الخطر» المحدق بعالم الخيول في الجزائر. أسهم نقل السباقات التي تقام بالجزائر العاصمة إلى وهران (التي تبعد 400 كيلومتر عن العاصمة)، ثم إلى زموري (60 كيلومتراً)، على امتداد السنوات الـ25 التي شهدت إغلاق ميدان الخروبة، في إحباط عزيمة عدد هام من مراهني العاصمة الجزائرية، الذين يُمثلون ثلاثة أرباع المراهنين في البلاد بالكامل. وفي الوقت ذاته، أدى تصاعد الحركة الإسلامية، والحرب الأهلية (التي امتدت من سنة 1992 إلى حدود سنة 2002)، وتعزُّز المشاعر الدينية بسبب انتشار موجة التدين، إلى جعل حلبة السباق «مكاناً تُرتكب فيه الخطيئة»، ولا تحظى سوى بإقبال ضعيف، خاصة أن الإسلام يحرِّم القمار.

أقل ألف مرة من فرنسا

في الجزائر، التي تبلغ تعدادها 42 مليون نسمة، لم يتبق سوى نحو 10 ألف مراهن، لا يقل «سن أصغرهم عن 50 سنة»، حسب ما أفاد به كريم شرايت، مدير شركة «الرهان الحضري المشترك» في الجزائر. ويبلغ حجم الرهانات السنوية نحو مليار دينار (والذي يُقدر بـ7 ملايين و200 ألف يورو)، أي أقل بألف مرة من فرنسا. لم يتغير الرقم مدة 20 سنة على الرغم من ارتفاع نسبة التضخم. وفي حال كان المراهنون الفائزون يستفيدون من 65% من مداخيل هذه المراهنات، فإن النسبة المتبقية (35%) تُوجَّه لتمويل فرع سباق الخيول في الجزائر. في هذا الصدد، نشرت صحيفة Géopolis الفرنسية تقريراً، أورد فيه أحمد ريان، المدير العام لشركة سباق الخيل والرهان الرياضي المشترك، أن إيرادات شركة سباق الخيل والرهان المشترك، التي تُصرف لتنظيم السباق وصيانة الحلبة، بالكاد تغطي تكاليف استغلال هذا الميدان، الأمر الذي من شأنه الوقوف في وجه أي استثمار. وبسبب ضعف الموارد، لم تتوقف الهِبات الممنوحة لدعم هذه السباقات عن التقلص. وقد وصل الأمر إلى حد الامتناع عن تقديم الجوائز الشرفية الكبرى. ومن أجل الحفاظ على استمرارية هذا الفرع، أفاد أحمد ريان بأن شركة سباق الخيل والرهان الرياضي المشترك «تقوم بإعفاء أصحاب الخيول من دفع الرسوم الخاصة بالمشاركة في السباقات». ويضاف هذا الأمر إلى جملة الأعباء المالية التي تتحملها ميزانية شركته. وحسب ما صرح به عيسى زايدي، رئيس رابطة أصحاب الخيول، تقلَّص عدد مالكي الخيول إلى أكثر من النصف، منذ الحرب الأهلية (1992-2002). وفي سنة 2014، كان هناك في البلاد 700 صاحب خيلِ سِباق فقط، وفقاً لأرقام صحيفة Liberté. وأعرب هذا المسؤول عن أسفه إزاء تراجع عدد هذه السباقات وافتقارها إلى الفرجة؛ بسبب «ضعف الموارد». ويخشى عيسى زايدي من اختفاء «ما تبقى» من هذه السباقات في هذه البلاد. والجدير بالذكر أنه قد وقع تعليق عقد سباقات الخروبة في سنة 2014 على امتداد عدة أشهر؛ بسبب الخلافات بين شركة سباق الخيل والرهان المشترك والمربِّين وأصحاب الخيول، وذلك حسب المعلومات التي أفادت بها الصحيفة ذاتها (Liberté). وكان ذلك بسبب «التخلف عن دفع المنح طيلة مدة تجاوزت 16 شهراً».

سباقات «قديمة الطراز»

أصبحت الأجواء مملَّة للغاية في أوساط المراهنين. وصرح مراهن قديم، دخل إلى هذا الميدان منذ أن كان عمره 17 سنة، متحدثاً عن هذا القطاع، بأنه «على امتداد 50 سنة، شهدت سباقات الخيل تراجعاً بشكل واضح»، ذلك أنها باتت قليلة العدد وتفتقر إلى الإثارة. كما أغلق مطعم الخروبة الشهير، الذي يستقطب عدداً هاماً من المقامرين، أبوابه. وعلَّق رشيد، أحد المقامرين المغرم بهذا المجال منذ 30 سنة، على ذلك، قائلاً: «أضحى كل شيء قديماً!». فلا توجد شاشة تبث السباقات، حيث يقع تسجيل ترتيب المتسابقين على سبورة باستعمال الطباشير، أو على ورقة مثبَّتة فوقها. وأورد أحد المقامرين، الذي فشل في تمرير شغفه بالفروسية إلى ابنه، أن هذه السباقات «قديمة الطراز». بالنسبة لكريم شرايت، مدير شركة الرهان الحضري المشترك في الجزائر، يُعد استقطاب لاعبين جدد من الشباب خطوة مستعجلة ترمي إلى زيادة الإيرادات. أما أولويات الشركة، فتتمثل في إلغاء حظر المراهنة على السباقات في الخارج، وحوسبة الرهانات، وإنشاء قناة تلفزيونية مخصصة لبث هذه السباقات. لكن، في خضم ذلك، برزت عقبة جديدة. وقد أشار أحمد ريان إلى أنها تتعلق بـ «قانون التجارة الإلكترونية، الذي تم التصويت عليه في مايو/أيار 2018، والذي يحظر المقامرة عبر الإنترنت».

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك