تعفن لحم الأضحية : هل تتكرر معاناة الجزائريين هذا العام ؟

«فرحتُنا بنَحر الأضاحي لم تدُم طويلاً»، هكذا قال عبد الرحيم، الأب الأربعيني، وهو يستذكر أجواء عيد السنة الماضية، فساعات قليلة كانت كفيلة بإبراز مدى فساد اللحوم، وعدم جاهزيَّتها للاستهلاك الآدمي، وسط مخاوف من تسمُّم من يتناولها.

لم يكن لعيد الأضحى بالسنة الماضية طَعم أو مذاق، فأُسر كثيرة اكتشفت تحوُّل لون أضاحيها إلى الأخضر والأزرق مصحوباً بروائح كريهة، مع وجود أورام في مناطق مختلفة منها، لتضجَّ مواقع التواصل الاجتماعي بالشكاوى ، وتمتلئ مقالب النفايات بلُحوم فاسدة.

تحقيقات وتقصٍّ .. ما الذي أفسد اللحم؟

انتقل المشكل، الذي ألقى بظلاله على أجواء العيد، من الشبكات الاجتماعية ليصل إلى جمعية حماية المستهلك، في حين دعا سياسيون ونشطاء مدنيون إلى فتح تحقيقات وتشكيل لجان تقصِّي الحقائق، ما استجاب له الوزير الذي التزم بإنجاز دراسة مستقلة تتحرى حقيقة ما جرى، أوكلها إلى المعهد الوطني للزراعة وفي شأن مشابه، ومشكل متطابق قالت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك لـ»عربي بوست»، إن تجارب قام بها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أثبتت أن 70% من التعفن كان نتيجة تغذية الخرفان بمخلفات الدواجن، و20% عبر تناول مختلف الأدوية البيطرية، وأخرى خاصة بالإنسان كالهرمونات وحبوب منع الحمل. أما الـ10% الأخرى، فكانت متعلقة بمواد أخرى مختلفة كالخميرة والملح وغيرها. وكانت وزارة الفلاحة المغربية قد قالت إن معروض الأضاحي تراوح العام الماضي (2017)، بين 5.14 مليون رأس من ذكور الأغنام، و1.75 مليون رأس من إناث الأغنام، و2.11 مليون من الماعز.

المغاربة على خطى الجزائريين

طيلة أسبوعين يَلِيان عيد الأضحى، جرت العادة في المغرب ألا تُفتح أبواب الجزارة ولا بائعو الدجاج محلاتهم، وهو ما زاد من معاناة أسرة عبد الرحيم وغيرها من الأسر، الذين اضطروا إلى التخلص من كميات كبيرة من اللُّحوم النيئة دون أن يحظوا بأطباق شهية اعتادها الصغار والكبار، «حصلنا علىكميات من اللحم من جيراننا وبعض أقاربنا؛ حتى نطفئ غضب الأطفال ورغبتهم في تناول وجبات بعينها»، يقول رب الأسرة.

مع اقتراب عيد الأضحى، الذي تفصِلُ المسلمين أسابيعُ معدودةٌ عن الاحتفال به، أعرَب عبد الرحيم عن أُمنيته في ألا تنقلب فرحة العيد غضباً وحزناً كما حدث سابقاً، وهو ما تحاول الحكومة المغربية مواجهته عبر إطلاق حملات تحسيسيَّة لفائدة الفلاحين، للعمل على تسجيل ضيعاتهم لدى المصالح البيطرية التابعة للمكتب والتصريح بأنواع العلف التي يستعملونها. من جانبه، أكد محمد كريمين لـ»عربي بوست»، أن عملية الترقيم وصلت إلى 3 ملايين رأس من أصل 6 ملايين يُضحِّي بها المغاربة، وعما إذا كانت الهيئة المغربية البيمهنية للحوم الحمراء قد تأخرت في هذه العملية، أجاب المتحدث بأن الخطوة لم تعرف أي تأخير، خاصة أن القطيع المخصَّص للذبح لا يتم تحديده بدقة إلا قبل 3 أشهر فقط من عيد الأضحى، وهو ما انطلقوا فيه منتصف شهر رمضان الماضي.

فضلات الدجاج ل “تسمين” الأضاحي !!؟

التدابير الرقابية المتعلقة بأَضاحي عيد الأضحى لم تقتصر على وزارة الفلاحة والصيد البحري والمؤسسات التابعة لها؛ بل تعدَّتها إلى وزارة الداخلية، التي دخلت على خط هذه الفوضى، حيث تم عقد لقاء بمقر الوزارة جمع المهنيين من صيادلة وبياطرة، في حين توجَّهت أصابع الاتهام صوب سوق الأدوية البيطرية.

محمد كريمين، الذي حضر لقاءً جمعه بوَزيري الفلاحة والداخلية، لفت إلى أن الاجتماع انصبَّ حول مراقبة الأعلاف التي تُعطى للماشية، باعتبارها من أبرز الأسباب التي خلقت المشكل، يقول المتحدث في هذا الصدد
: «بعض الماشية قُدِّمت لها فضلات الدجاج؛ لاحتوائها على البروتين، بهدف تسمينها، إلا أن لحومها تعفنت وأصدرت روائح كريهة بمجرد ذبحها».

من أجل ذلك، اتفق المسؤولون الحكوميون مع مهنيي الدجاج على عدم نقل فضلات ومخلفات الدجاج إلا برخصة، للإدلاء بها في أثناء نقلها، وطرحها خارج الأماكن والمطارح الخاضعة للمراقبة، في حين شهد اللقاء تحسيس الصيادلة والبياطرة بضرورة تقديم نصائح للمواطنين ومربي الماشية. ورغم أهمية انعقاد لقاءات على أعلى مستوى؛ تفادياً لكل ما يمكن أن يشوش على المرور العادي لأداء المغاربة شعائر عيد الأضحى، انتقد بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، تغييب فعاليات المجتمع المدني باعتبارها صلة الوصل مع المستهلك، وأوضح أن الجامعة تعمل حالياً على إجراء البرامج التوعوية بشكل مباشر، وباعتماد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وغيرها.

الخراطي أشاد بمجهودات المكتب الوطني لسلامة المنتجات الغذائية، لافتاً عبر «عربي بوست» إلى مستوى التأهيل والتكوين بها، وداعياً إلى سد الطريق أمام ذوي النيات السيئة والباحثين عن الربح السريع واللامشروع ممن يشكلون المصدر الرئيسي لمختلف الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي تلحق المستهلك المغربي.

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك