تدويـر المياه المستعملة في الجزائر.. عامل استراتيجي في الأمن المائي والتنمية المستدامة

تعتبر وفرة المياه في صميم التنمية المستدامة، وهي ضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إنتاج الطاقة والغذاء وكذا في سلامة النظم الإيكولوجية وتثبيت المجموعات البشرية.
في ذات السياق، تتطابق آراء الخبراء والمسؤولين في الجزائر وخارجها، على التحديات الكبيرة التي يفرضها الإجهاد المائي (Le Stress Hydrique) على بلدنا، حاضرا ومستقبلاً.

الإجهاد المائي في الجزائـر.. تحـدّ وجودي لجزائر الألفيـة الثالثـة

إلى جانب فترات الجفاف المزمن المتكررة مؤخراً على مناطق واسعة من شمال البلاد. وارتفاع درجة الحرارة حتى خارج مواسمها الاعتيادية. يفرض ارتفاع مستوى الاستهلاك المنزلي، الفلاحي والصناعي للمياه تحدياً وجودياً بالنسبة للجزائر، ضمن نطاقها الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا، وهي منطقة تصنفها تقارير دولية متخصصة على أنها منطقة إجهاد مائي مرتفع للغاية، مع توقعات بوضع أكثر تعقيدا آفاق 2050. أين سينخفض نصيب الفرد من المياه بالمنطقة إلى النصف.

الدول الأكثر عرضة لنقص المياه بحلول سنة 2050 ( CNN Arabic )
الدول الأكثر عرضة لنقص المياه بحلول سنة 2050 ( CNN Arabic )

السلطات العمومية بدورها، دقت ناقوس الخطر، ففي تصريح أدلى به الأسبوع الماضي، أكد المدير المركزي بوزارة الري، عبد العزيز العرجوم، أنّ شح المياه الذي تعرفه الجزائر، ضمن إطارها الشمال إفريقي، كان له أثر كبير على الموارد المائية، بفعل” تراجع في التساقطات المطرية، وفي مصادر المياه، مع انخفاض محسوس في مخزونات المياه الجوفية “.

في ذات الإتجاه، صنفت دراسات أكاديمية محلية وتقارير البنك الدولي الدورية، الجزائر ضمن الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية (Pays pauvre en ressources en eau) حيث يقدر نصيب الفرد السنوي من هذا المورد الحيوي بأقل من 500 متر مكعب، وهي عتبة الندرة المطلقة، حسب معايير البنك الدولي في هذا المجال.

وضعية صعبة تؤكدها الأرقام الرسمية، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه في الجزائر من 376 متر مكعب سنة 1999 إلى 291 متر مكعب سنة 2014 ثم إلى 282 متر مكعب في 2024. تزامناً و الزيادة السكانية المضطردة التي عرفتها الجزائر خلال ذات الفترة (29.801.000 نسمة عام 1999 **39.114.000 نسمة عام 20214 ** لتصل إلى 46.700.000 نسمة في 2024 ).

وبينما تستهلك الجزائر في جميع القطاعات (استهلاك منزلي، فلاحة وصناعة) ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء سنويا، تفوق الحاجيات الحقيقية للبلاد من هذا المورد الحيوي الـ 20 مليار متر مكعب في السنة. أي بعجز سنوي يفوق 3 مليار متر مكعب سنوياً.

إجراءات استعجاليـة.. إرادة سياسية قوية واستثمارات ضخمة في الموارد غير التقليديـة

لم تقف الجزائر مكتوفة الأيدي أمام مشكل شحّ المياه، أين بدأت البلاد توظف استثمارات ضخمة في تعبئة موارد مائية غير تقليدية (Ressources en eau non conventionnelles) عبر اعتمادات تجاوزت 23 مليار دولار خلال الفترة ما بين سنتي 2001 و2016. على غرار تشييد محطات لتحلية مياه البحر، لأول مرة في الجزائر. لتصل بذلك إلى إنتاج 2.2 مليون متر مكعب يومياً عبر هذه العملية. وهو ما يقترب من خمس 1/5 احتياجات الاستهلاك المنزلي الوطني يومياً.

مع وصول الرئيس تبون إلى سدة الحكم في نهاية 2019، دخلت البلاد ديناميكية جديدة في هذا المجال، باعتمادها ما اصطلح على تسميته بـ ” الاستراتيجية الوطنية الشاملة لتطوير الموارد المائية غير التقليدية لمواجهة نقص المياه “.

نهج جديد جاءت أولى خطواته العملياتية سريعة – رغم التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد 19 -فخلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30 ماي 2021. أمر الرئيس تبون بإيلاء أهمية قصوى لمشاريع الموارد المائية غير التقليدية.

في غضون أشهر قليلة، كانت الجزائر قد انطلقت بالفعل في برنامج غير مسبوق قارياً وعربياً. لإنشاء خمس محطات لتحلية مياه البحر، بقدرة إجمالية تقدر بـ 1.5 مليون متر مكعب يومياً، بكلفة مالية ضخمة بلغت 2.4 مليار دولار. تكلفة كشف عنها مدير الاتصال بالشركة الجزائرية للطاقة، مولود حشلاف، وهو فرع مجمع سوناطراك المشرف على أشغال المحطات الخمس بكل من الطارف، بجاية، بومرداس، تيبازة ووهران.

ويؤكد حشلاف أنه مع استلام المحطات الخمسة المذكورة، نهاية 2024. ستبلغ نسبة الإعتماد على المياه المحلاة 42 بالمائة من الاحتياجات الوطنية لاستهلاك المياه. بينما لا يزيد إسهامها حاليا عن 18 بالمائة فقط.

وترسيخاً لهذا الخيار الإستراتيجي، يؤكد وزير الري طه دربال، أنّ هذه المرحلة الأولى ستكون متبوعة بمرحلة ثانية لإنجاز سبع محطات أخرى في غضون سنة 2030م.

في سياق موازي، تم الشروع في إنجاز دراسات معمقة لتحديد دقيق لوضعية المياه الجوفية (Eaux Souterraines) مع تشديد العقوبات على أعمال حفر الآبار بطريقة غير مرخصة، إضافة للمراقبة الصارمة للتراخيص الممنوحة في هذا المجال. والمستغلة في سقي المساحات المزروعة.

ولأننا نتحدث عن مصادر غير تقليدية للتزويد بالمياه، يبرز دور إعادة تدوير المياه المستعملة (Recyclage des eaux usées) في هذا المسعى الشامل.

مشروع إنجاز محطة لتدوير المياه المستعملة بآقبو، بجاية
مشروع إنجاز محطة لتدوير المياه المستعملة بآقبو، بجاية

مع بداية العام الماضي، أمر الرئيس تبون في اجتماع لمجلس الوزراء انعقد في 08 يناير 2023 بالانطلاق في عملية شاملة لإعادة بعث كل المشاريع المتوقفة لمحطات تصفية المياه المستعملة (Stations de traitements des eaux usées) وكذا تلك التي هي قيد الاستغلال وتعاني من عدم الفعالية.

بالأرقام، تضم الحضيرة الوطنية لمحطات تصفية المياه المستعملة 232 محطة قيد التشغيل على المستوى الوطني. بطاقة إنتاج إجمالية تبلغ ملياراً و97 مليون متر مكعب سنوياً.

ووفقا لما قاله مدير الاستغلال بالديوان الوطني للتطهير صالح لحلاح، يتكفل الديوان الوطني للتطهير، التابع لوزارة الري، بتسيير الغالبية العظمى من هذه المحطات، باستثناء 11 محطة تسيرها مؤسسات ” سيال، سيور، وسياكو ” بالعاصمة تيبازة وهران وقسنطينة توالياً. زيادة على 30 محطة أخرى مسيرة من قبل بعض البلديات ومديريات الموارد المائية على المستوى المحلي.

ورغم هذا العدد الذي لا يستهان به من المحطات التي تملكها الجزائر، بقي إسهام المياه المعاد تدويرها في الاحتياجات الوطنية من المياه والحفاظ على البيئة بعيداً عن المستوى المطلوب. لعدم إعطائها الأهمية الكافية. ناهيك عن ضعف فعالية المحطات، مشكل الأعطاب، وكذا عدم مواكبة التقنيات الحديثة في مجال معالجة المياه المستعملة.

في المنظور المتوسط، تهدف الجزائر إلى بلوغ نسبة 60 بالمائة من كمية المياه المستعملة المستغلة عبر هذه المحطات. بينما لا تتجاوز النسبة حالياً 10 بالمائة. ولبلوغ هذا الطموح الكبير، يتمّ العمل على محورين، الأول هو الرفع من نجاعة المحطات الموجودة حاليا قيد التشغيل، وإعادة تشغيل المتوقف منها. أما المحور الثاني فيتعلق ببناء محطات جديدة بتقنيات معالجة عصرية.

وللمضي قدماً في هذا البرنامج، تمّ عقب مجلس الوزراء المنعقد في 14 نوفمبر 2023، تحريك مخصصات مالية قدرها 34 مليار دينار، من إجمالي احتياجات قدرت بـ 155 مليار دينار جزائري، مع تسجيل 44 عملية قيد التنفيذ حالياً، (بينها مشاريع لإنجاز 30 محطة تصفية جديدة) والبقية في مرحلة الإجراءات الإدارية.

تقنياً، سيٌاسهم ادخال تقنيات جديدة على غرار المعالجة الثلاثية للمياه المستعملة (Traitement tertiaire des eaux usées) في ما لا يقل عن 16 محطة، من المحطات الـ 30 التي تم الانطلاق في أشغالها، في توسيع مجالات استخدام المياه المعالجة المنتجة من قبل هذه المحطات في الفلاحة و الصناعة و غيرهما.

تدوير المياه المستعملة.. دور محوري وحلول مبتكـرة

يستحوذ القطاع الفلاحي وفق الأرقام الرسمية، على ما لا يقل عن 70 بالمائة من المياه المنتجة سنويا في الجزائر. وهو ما يؤكد أن تحلية مياه البحر، وإن كانت حلا ناجعاً – رغم الكلفة العالية – لتزويد الساكنة بالمياه الشروب، إلا أنّ تأمين كميات كافية من المياه لأغراض فلاحية يتطلب العمل على محاور أخرى.

ومع تجاوز الإنتاج الفلاحي في الجزائر لعتبة الـ 35 مليار دولار في 2024. يبرز محور إعادة تدوير المياه المستعملة في مقدمة الحلول غير التقليدية للحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة في القطاع الفلاحي، الذي يركز جهوده على تحقيق الإكتفاء الذاتي في محاصيل استراتيجية على غرار القمح الصلب واللين، الأعلاف، البقوليات، الخضر والفواكه والحليب.

وإن كانت المياه المعاد تدويرها حالياًّ يوجه جزء منها إلى سقي الأشجار المثمرة حصراً، بالتعاون بين الديوان الوطني للتطهير (ONA) والديوان الوطني للسقي وصرف المياه (ONID). فإن إدخال تقنية المعالجة الثلاثية للمياه، تدريجياً، في المحطات المشيّدة حديثاً، يفتح أفاقاً أوسع من ناحية الاستعمالات، نحو سقي محاصيل الحبوب والخضار والفواكه.

في ذات السياق، أعلنت وزارة الري، الأسبوع المنصرم، عن عقد لقاء تنسيقي مع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، لإيجاد مقاربة جديدة لاستغلال أمثل للمياه، باللجوء إلى المياه غير التقليدية. في إطار مفهوم أوسع تحت عنوان ” الإستراتيجية الجديدة للأمن المائي والغذائي “.

لا تتوقف الحلول التي يقدمها إعادة تدوير المياه المستعملة في توفير بدائل لتموين القطاع الفلاحي بالعصب الأساسي لاستمراره، أي الماء، بل يتعدى ذلك إلى توفير المياه للمركبات الصناعية، وهي التي تستهلك 700 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. وهي حصة كفيلة – إن تم توفيرها – بدعم المخصّصات المائية الموجهة لاستهلاك المواطنين المباشر، وتخفيف الضغط على المياه الجوفية والسطحية كذلك.

يضاف إلى ما سبق ذكره، توفير المياه المستعملة لبديل ناجع في سقي المساحات الخضراء، غسيل السيارات، إنتاج بدائل طاقوية ثورية (Alternatives énergétiques révolutionnaires) كإنتاج الهيدروجين الأخضر، والبطاريات المعتمدة على البكتيريا المستخرجة من هذه المياه.

إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه المعاد تدويرها.. أفق واعد
إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه المعاد تدويرها.. أفق واعد

تحديـات متعـددة الجوانب

غير أنّ عملية إعادة تدوير المياه المستعملة في بلادنا، تواجه تحديات متعددة الجوانب، فزيادة على الكلفة المادية المعتبرة للتقنيات الجديدة في هذا المجال. يطرح مشكل ديمومة المحطات وفعاليتها الإنتاجية نفسه بقوة، مع اضطرار الجزائر إلى استيراد المعدّات من الخارج، وحتمية تكوين العنصر البشري المشرف على هذه المحطات على التقنيات الجيدة.

لا تقف العقبات عند هذا الحدّ، فلا يمكننا تجاوز الجانب الاجتماعي للموضوع. حيث ترى شريحة واسعة من المواطنين إلى هذه العملية بعين الريبة والشك. مع احتفاظهم بصورة نمطية عمّا يسمّونه ” المياه القذرة “.

من هنا، يبرز دور التحسيس لأهمية هذا المورد، واقناع المواطن بالإنخراط هو الآخر في المسعى الأكبر، وهو ترشيد استعمال المياه كعامل أساسي للحياة.

مخبر البحث المتخصص في تثمين وإعادة تدوير المادة من أجل التنمية المستدامة.. تجربـة ليست كغيرهـا

مع انطلاقنا في العمل على هذا الموضوع، كان من الضروري الاتجاه إلى الميدان، للقاء الفاعلين في مجال تدوير المياه. ولم نكن لنجد أفضل من شخص يجمع بين المعرفة الأكاديمية والممارسة الميدانية. إنها البروفيسور صابة نسيلة، مديرة مخبر البحث المتخصص في تثمين وإعادة تدوير المادة من أجل التنمية المستدامة، بجامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين بباب الزوار، شرق العاصمة.

مخبر البحث المتخصص في تثمين وإعادة تدوير المادة من أجل التنمية المستدامة بجامعة العلوم و التكنولوجيا هواري بومدين، الجزائر العاصمة
مخبر البحث المتخصص في تثمين وإعادة تدوير المادة من أجل التنمية المستدامة بجامعة العلوم و التكنولوجيا هواري بومدين، الجزائر العاصمة

الرحلة نحو افتتاح هذا المخبر حديث النشأة، ليست عادية، بل هي استثنائية بامتياز. فبالعودة إلى سنة 2020. اجتمع ثلة من الباحثين الجزائريين، لإنشاء المخبر سالف الذكر. من خلال ملف متكامل موجه إلى مديرية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

لكن العقبة الرئيسية، وفق حديث البروفيسور صابة لـ ” اللقاء أونلاين ” لم تكن في الكفاءات، بل كانت في إيجاد مقر للمخبر داخل الجامعة.

وبالفعل، توجّه الباحثون المفعمون بالإرادة، إلى عمادة الجامعة، التي – وأمام انعدام مقرات شاغرة بالجامعة – اقترحت في نوفمبر 2020، معاينة مقر مهمل لعشرات السنين. حيث يعتبر الوصول إليه سيراً على الأقدام، في حد ذاته إنجازاً. لوقوعه داخل الأحراش، مع انعدام أي مسالك مهيأة توصل إليه عبر السيارة. في جامعة تعتبر مساحتها مساوية لمساحة مدينة صغيرة، بـ 97هكتاراً.

قبل الأساتذة التحدي، تؤكّد السيدة صابة في حديثها إلينا، رغم الحالة الكارثية التي كانت عليها البناية. مع تواجد مواد كيميائية غاية في الخطورة، كانت منسية بالداخل. فضلا عن أكوام من الأوساخ لم تترك أي معالم واضحة للمكان.

وفورا، انطلق الفريق المكون من الباحثين بإرادة فولاذية في عمليات التنظيف الواسعة. مع التكفل بعملية التخلص من المواد الكيميائية عبر الطرق المناسبة. وهي عملية أنهاها الفريق، تؤكد البروفيسور صابة، في فبراير 2021. رغم كل الصعوبات والتحديات، وفي عزّ أزمة كوفيد 19.

لكن التحدي لم يتوقف هنا، تضيف البروفيسور صابة لـ ” اللقاء أونلاين “، بل كان ينبغي كذلك الانطلاق في عملية إعادة تأهيل شاملة للمباني، بما في ذلك دراسات الهندسة المدنية، التأثيث، الربط بالشبكات، التأثيث وغيرها من الأشغال.

العائق المادي كان حاضراً بقوة في هذه المرحلة، لا سيما – تؤكد الباحثة – أنّ اعتماد المخبر لم يكن قد وصل بعد من مديرية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بالوزارة الوصية. وهو ما دفعها لمراسلة كل الجهات التي بإمكانها المساعدة، مادياً ولوجيستيكياً.

وبالفعل، لم تذهب جهود فريق البحث الطموح سدىً، حيث أنّ المدير العام لمجمع سوناطراك، بعد اطّلاعه على إحدى المراسلات التي قامت بها الأستاذة صابة، قام بإيفاد فريق من المهندسين إلى عين المكان، لإجراء معاينة ميدانية وتقديم تقرير بما يمكن فعله.

تمّت الإجراءات بسرعة كبيرة، تؤكّد السيدة صابة، وبتضافر جهود عديد المؤسسات: مجمع سوناطراك، بفرعها الشركة الوطنية للهندسة المدنية والبناء (GCB)، شركة كوسيدار، سيال، BMS Electrique،EL SEWEDY CABLES، AMIMEUR ENERGIES وغيرها من المؤسسات العمومية والخاصة، التي عملت بدون مقابل مادّي، على مدار أيام الأسبوع وبوتيرة متواصلة لتحويل حلم الباحثين إلى حقيقة. وهم الذين واكبوا تقدّم الأشغال بصفة يومية، تؤكّد المتحدثة، بتحفيز العمال بشتّى الوسائل، وحتى بإعداد وجبات الطعام لهم، في جوّ أسري مفعم بالإيجابية والتضامن، قلّ نظيره.

محطة تدوير المياه المستعملة بجامعة هواري بومدين للعلوم  والتكنولوجيا.. أو عندما تصبح المعجزة واقعـاً

بعد أن أصبح المخبر حقيقة ساطعة، صار قبلة للأكاديميين وللمهتمّين بالبيئة وملفّ إعادة تدوير المواد والتنمية المستدامة بصفة أشمل.

في شهر أفريل 2023، وفي سياق التحضير لزيارة وفد نيجيري إلى الجامعة، قام المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، بزيارة إلى المخبر والتقى مديرته الأستاذة صابة. التي وضعته في صورة المجهودات الجبارة التي قام ولايزال يقوم بها الأساتذة الباحثون في إعادة تهيئة ودفع عجلة البحث العلمي إلى الأمام. واستمع اللواء مجاهد – باهتمام كبير –  تضيف محدّثتنا، إلى الطموحات التي تحدوا فريق البحث في إعادة تشغيل محطة تصفية المياه المستعملة بالجامعة، والتي بقيت طيّ النسيان لأزيد من 45 سنة.
.

.

قام اللواء مجاهد على إثر ذلك بعقد لقاء بالجامعة، مع ممثلي عدّة قطاعات ومؤسسات عمومية وخاصة. للنظر في إمكانية بعث المحطة من جديد.

من خلال تكاتف جهود الجميع، كلّ في تخصصه، تابع اللواء مجاهد تقدّم الأشغال من خلال اجتماعات متتالية مع مهندسين متطوعين، مسؤولي مكتب دراسات خاص، شركة كوسيدار للقنوات، الديوان الوطني للتطهير، مؤسسة سيال، سيمنس، اعميمر إينرجي وغيرها من المؤسسات.

ولم تُغفل الأستاذة صابة التنويه بالدور المحوري الذي لعبته وزارة الدفاع الوطني، عبرمؤسساتها المتخصصة، في ” إعادة الروح ” إلى محطة تصفية المياه المستعملة. حيث قامت، بفضل تسخيرها لإمكانيات مادية وبشرية عالية الكفاءة، في إعادة تأهيل المعدّات التي بقيت مهملة لأكثرمن 45 سنة.

وبتاريخ 27 ديسمبر 2023، تزامناً والذكرى الـ 45 لوفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي تحمل الجامعة اسمه، تمّ رسمياًّ إعادة افتتاح المحطة وتشغيلها، بحضور وزيري التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، وكذا وزير الري، طه دربال.

آفـاق واعدة وصعوبـات

تؤكّد البروفيسور صابة في حديثها لـ ” اللقاء أونلاين “، أنّ افتتاح مخبر البحث المتخصص في تثمين وإعادة تدوير المادة من أجل التنمية المستدامة وإعادة بعث المحطة داخل الصرح الجامعي، سمح بفتح تخصصات جديدة، على غرار إطلاق دفعة من 20 طالباً، لتكوين مهندسين في تكنولوجيات معالجة المياه واستغلالها.

لا تقتصر الأهمية الأكاديمية للمحطة في تكوين طلبة تخصص معيّن، تؤكّد الباحثة، بل تحظى المحطة باهتمام كبير من قبل الباحثين والطلبة من كليات أخرى، على غرار كليات الكيمياء، البيولوجيا، الفيزياء وغيرها من الكليات. ما يجعل منها مكسباً لا نظير له في الوسط الجامعي، حتى لدى بلدان مجاورة.

.
وتتحدّث الأستاذة صابة، بحسرة كبيرة، عن الوضعية الحالية للمحطة، أشهراً قليلة بعد تدشينها. فرغم كلّ المجهودات المبذولة من قبل فريق الباحثين، الشركات المرافقة وكذا السلطات العمومية، لا توجد المحطة حاليا قيد التشغيل.

وفي معرض حديثها عن الأسباب، تؤكّد المعنيّة لـ ” اللقاء أونلاين ” أنّ الشيء الوحيد الذي يقف عائقاً أمام ذلك هو مشكل تموين المحطة بالمياه المستعملة. من خلال الربط بين المحطة وشبكة تصريف المياه للجامعة (le branchement interne)، بالدرجة الأولى. وبالشبكة الخارجية لجلب المياه المستعملة من خارج الجامعة (le branchement externe) للسماح بتشغيل المحطة حين يكون تدفق ضعيفاً من المورد الأول (في ساعات الليل مثلا).

رسـالة باحثـة – مواطنـة لرئيس الجمهوريـة

في ختام لقائنا معها، أبت البروفيسور صابة نسيلة، إلا أن توجّه رسالة مباشرة ومفعمة بالمشاعر، إلى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لتطلب منه التدخّل لإزالة العقبة الأخيرة التي بقيت تحول دون تمكّن الباحثين والطلبة من الاستفادة من هذه المنشأة العلمية والعمليّة الهامّة.

.

يوسف/ح

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك