المغرب وانقلابيو الساحل.. أو عندما يتحالف “بيع الوهم مع الهروب إلى الأمام”

في محاولة جديدة لنظام المخزن لإيجاد موطئ قدم له في منطقة الساحل، استقبل الملك المغربي، محمد السادس، أمس الإثنين، وزراء خارجية الأنظمة الإنقلابية لما بات يُعرف بـ ” تحالف دول الساحل “، مالي، النيجر و بوركينا فاسو.

و قالت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، أنّ ملك المغرب ( الذي أصبحت خرجاته الرسمية جدّ نادرة، لتدهور وضعيته الصحية بشكل كبير )، استقبل كلاًّ من كاراموكو جون ماري تراوري، وعبد الله ديوب، وباكاري ياوو سانغاري، و هم – توالياً – وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

و خرج وزراء خارجية الأنظمة الإنقلابية الثلاث من اللقاء، بتصريحات مفادها أنّ الأنظمة التي يمثّلونها تعاني من ” العزلة ” و ” الحجر الإقتصادي و السياسي “.

إبتـزاز و بيـع للوهم

بالنسبة للمخزن، يرى مراقبون أنّ تقاربه الأخير مع الأنظمة الإنقلابية في دول الساحل الثلاث، التي تعاني عزلة دبلوماسية و اقتصادية كبيرة، ينطوي على رغبته في تنفيذ أجندات داخلية و أخرى تتجاوز البعد المحلّي إلى بعدين جهوي و دولي.

و يبرز بطبيعة الحال، ملف الصحراء الغربية كأولوية الأولويات لبلد لطالما عُرف بأنّ دبلوماسيته ” دبلوماسية الملفّ الوحيد “. فالمخزن يُغري الأنظمة الإنقلابية – محدودة الرؤية و الأفق – لتحقيق ” اعترافات ” بسيادته المزعومة على أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المحتلة.

و يروّج المخزن منذ سنوات، حتى قبل وقوع التغييرات اللادستورية في الدول الثلاث، لما يقول أنّها مبادرة ” لولوج هذه الدول الحبيسة إلى المياه الأطلسية “. و هو مشروع ” على الورق ” يتطلّب إمكانات مادية و لوجيستية و استثمارات ضخمة، لا يمكن لبلد يعاني من مديونية خانقة و عجز متفاقم في الميزانية أن يوفّرها.

محاولة شرعنة احتلال

لكنّ الجانب غير المُعلن من ” المبادرة المغربية “، هو شرعنة احتلاله لأراضي دولة مؤسسة و كاملة العضوية في الإتحاد الإفريقي، و تحظى باعتراف عشرات الدول حول العالم، لأنّ منتهى هذا الممرّ المزعزم، ينتهي بميناء الداخلة المحتلة، ثانية المدن الصحراوية من حيث الأهمية، بعد العاصمة العيون.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أنّ مآل هذه ” الشطحة المغربية ” سيكون مشابهاً لمشروع أنبوب نقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى المغرب، الذي لا يزال يراوح مكانه منذ 2016، لغياب التمويل اللازم، و الذي يناهز 25 مليار دولار أمريكي. علماً أنّ ميزانية المملكة السنوية لم تتجاوز 63 مليار دولار سنة 2024، فهل يَعــدُ المغرب ” شركائه ” باستثمار قرابة نصف ميزانيته في مشروع مماثل ؟ و هل ينتظر من أنظمة تبحث نفسها عن شرعية أن تمنحه شرعية احتلال دولة أخرى ؟

رهان على تطويق الجـزائر

لا تنتهي أهداف المخزن على استغلال عزلة الأنظمة الإنقلابية في دول الساحل في افتكاك موقف معيّن من قضية الصحراء الغربية المحتلة، بل هناك رهان واضح على تطويق الجزائر بأنظمة مناوئة لها، و العمل على خلق وضعية ” عداء دائم ” بين هذه الدول و الدولة المحورية الأكثر تأثيراً في المنطقة. فكلّ من مالي و النيجر تتشاركان مع الجزائر آلاف الكيلومترات من الحدود المشتركة. و لطالما تحمّلت الجزائر المسؤولية الأكبر في تأمين المناطق الحدودية، نظراً لحالة الضعف المزمن لأنظمة هذه الدول، و غياب شبه كلّي لقواها العسكرية و الأمنية على الجانب الآخر من الحدود.

و للمخزن في ليبيا عبرة..

المناورات المخزنية في خلق محيط من اللا استقرار في محيط الجزائر القريب، و توتير علاقاتها بجيرانها، ليس وليد اليوم، فقد حاول المخزن تطبيق نفس الأجندة في ليبيا. من خلال استقبال الفرقاء الليبيين في “منتجع الصخيرات ” ثم في ” حوار بوزنيقة ” المارطوني، و الذي لم يجن منه الشعب الليبي شيئاً. لأنّ الهدف الأسمى لدبلوماسية بوريطة، لم يكن توحيد الفرقاء الليبيين، بل العمل على أن تكون ليبيا المستقبلية حليفاً للمخزن، و تتماهى مع أجندته الإستعمارية في الصحراء الغربية.

و لكنّ كما يقولون ” انقلب السحر على الساحر “، و أصبحت حكومة الوفاق الليبي و المجلس الرئاسي الليبي بقيادة يونس المنفي، أحد الأضلاع الثلاثة في الحوار التشاوري المغاربي، إلى جانب الجزائر و تونس، حيث ستحتضن العاصمة طرابلس القمة المقبلة للرؤساء، تبون، سعيّـد و المنفي، في ظل تعطّل كيان اتحاد المغرب العربي.

إنقلابيـو الساحل.. هـروب إلى الأمام

في الجهة المقابلة، يقف انقلابيو الساحل و ” ظهورهم إلى الحائط ” كما يقال، فلا هم حقّقوا إقلاعاً اقتصاديا و تنموياً لطالما باعوا أحلاماً بشأنه لشعوبهم التي تعاني الأمرّيـــن، و لا هم أعادوا بلدانهم إلى سكّة الممارسة الديمقراطية و الحياة الدستورية العادية عبر تنظيم انتخابات و تسليم السلطة.

كما أنّ الوعود الزائفة باسترجاع استقلال حقيقي و ” طرد بقايا الإستعمار ” تبيّن في الأخير أنها لم تكن سوى ذرّ للرماد في العيون، حيث تمّ استبدال الإستعمار التقليدي باستعمار مبطّن لكن أكثر توحشاً.. مرتزقة في خدمة من يدفع أكثر و على استعداد لارتكاب فضائع في حق السكان العزّل، من أجل السيطرة على المناجم و الثروات.

عداء مجّــاني للجزائر

أنظمة مالي، النيجر و بوركينا فاسو الإنقلابية التي وجّهت سهامها ” الخشبية ” نحو أكبر بلدان المنطقة، الجزائر، التي لا تتعامل مع شعوب هذه البلدان إلاّ كأشقاء و إخوة في الدين و التاريخ و المصير، تحاول بارتمائها في أحضان نظام المخزن، صنيعة القوى الإستعمارية و القائم بدور ” المناول ” في حماية مصالحها في غرب إفريقيا، إيهام شعوبها بأنّ المشكل في كلّ شيء و أيّ شيء إلاّ فيها هي ذاتها. فبدلا من مصارحة مواطنيها بأنها لا تملك مشروعاً حقيقياً يحدث ثورة تنموية و اقتصادية، تقوم بخطوات ” بهلوانية ” للهروب إلى الأمام، فمرّة تعلن تأليف نشيد مشترك للدول الثلاث، و مرة تعلن صكّ عملة موحّدة، و كأنّ مشاكل مواطني الساحل تتلخّص في ّ الشعارات و الأناشيد “.

يوسف/ح

 

 

 

 

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك