لم يعانى الكثيرون فى العالم من الجوع والفقر رغم وجود غذاء ومواد أخرى كافية؟ هذا هو السؤال الرئيسي فى كتاب “الفقر والليبرالية الجديدة.. الاستمرارية وإعاة الإنتاج فى جنوب العالم” لـ راى بوش، ترجمة إلهام عيداروس ووليد سليم، وصدر عن المركز القومى للترجمة.
يدرس هذا الكتاب الطرق التى يُخلق بها الفقر فى جنوب العالم، ويعاد إنتاجه، فأكثر من ملیار إنسان، أى واحد من كل خمسة، يعیشون على أقل من دولار أمريكى واحد فى الیوم، وغالبا ما يربط صناع السیاسة الفقر بعدم قدرة الفقراء على الوصول للموارد والأراضى والمعادن والغذاء فى العالم، أما هذا الكتاب فیبحث، على العكس من ذلك، فى الصعوبات التى يعانى منها الفقراء لكى يتحكموا فى الموارد ويستغلوها بشكل يحقق المزيد من الإنصاف والعدالة الاجتماعیة.
كذلك أوضح الكتاب كیف يضمن الانتشار المتفاوت للتسلیع الذى يمیز الاقتصاد العالم إنتاج الفقر وإعادة إنتاجه، فالتزام الوكالات الدولیة بالأيديولوجیة والممارسات اللیبرالیة الجديدة يعزز الهیمنة البادية فى أفعال صناع السیاسة بدءا من كبرى المنظمات المالیة إلى أصغر منظمة غیر حكومیة.
من المعتاد أن تتم المساواة بین “الحضارة” و”الرأسمالیة”، وقد اشتد الدافع لتعمیم تلك الأيديولوجیة مع الحروب على “الإرهاب” وفكرة التقدم المرتبط بالرأسمالیة المعاصرة بشكل لا فكاك منه، فینظر حالیا للفقراء فى القرن الواحد والعشرين على أنهم مسئولون عن إحداث العنف والاضطراب، حیث رفضوا اعتبار الرأسمالیة مخلصهم، لكن لا يوجد دلیل كاف على أن الرأسمالیة والنظام القائم على التصنیع هما حقا علاج الفقر العالمى، فالرأسمالیة كنظام اقتصادى واجتماعى غیر قادرة على تفسیر استمرارية الفقر العالمى، إذ فشلت فى معالجة انعدام المساواة فى جنوب العالم، إن العمالة وقوة العمل وهجرة العمالة من الموارد التى نادرا ما تبحث مع أن لها علاقة أساسیة بالطرق التى يخلق بها الفقر ويبقى.
إن قوة العمل هى ببساطة أكثر العناصر جوهرية فى خلق الثروات جمیعا، والسیطرة علیها كانت دائما من المكونات الرئیسیة للرأسمالیة ونظامها الدولى كما سنرى، فالرأسمالیة تخلق العوز عن طريق التخلص من الناس حین لا يصبحون مفیدين للبنى والعملیات الموجودة حولهم. وإخفاق الرأسمالیة فى تعمیم العلاقة الأجرية بین رأس المال والعمالة على الجمیع، وفشلها فى الاستفادة بشكل فعلى من عدم تحول الجمیع إلى عمال مأجورين يبقى سمة أساسیة للرأسمالیة المعاصرة، وأمرا مركزيا فى الكیفیة والأسباب التى تجعل الفقر فى جنوب العالم يأخذ الشكل الذى علیه. ورغم ذلك، فلا يستطیع صناع السیاسة فهم هذا. فهم لا يعترفون بالأنماط التاريخیة لخلق الفقر وإعادة إنتاجه، ولتفسیره لا يسعهم إلا التعبیر عن الاستیاء الأخلاقى أو إعلان حتمیته.
يدرس هذا الكتاب استمرار الفقر العالمى عن طريق دراسة الطرق التى تصبح بها السیطرة على موارد العالم واستغلالها والوصول غلیها سببا جوهريا لوجود الكثیر من الفقراء فى العالم. أبحث عن سبب تركیز معظم سیاسات المانحین والوكالات الدولیة للتخفیف من حدة الفقر على أهمیة النمو المدفوع بالموارد، ولماذا تستمر هذه التعويذة فى تدعیم سیاسات تخلق الفقر بدلا من أن تخففه. وأركز على موارد العمالة والأرض والمعادن والغذاء. وسیحدد التحلیل كیف ساعدت قدرة الفاعلین الاقتصاديین المهیمنین على الوصول لتلك الموارد والسیطرة علیها فى تشكیل السلطة والسیاسة فى جنوب العالم.
ولأن دول الجنوب لم تكن عاجزة قط بشكل كامل أمام نفوذ رأس المال الدولى، حظیت تلك الدول بفرص وبقوة نسبیة فى معظم الأحوال للتفاوض مع الشركات متعددة الجنسیات والمؤسسات المالیة الدولیة ودول الشمال على مواقع أفضل فى السوق.
لكن تلك الفرص قلیلا ما أدت إى تعزيز التنمیة المستدامة والعادلة.
ق.ث