في الجزائر أعياد كثيرة يحتفل بها المزارعون والحرفيون والصيادون كلها تحتفي بصنعة أو صنف من الفاكهة أو موسم.
ومن عيد الفراولة والبرتقال مرورا بعيد الزربية التقليدية وعيد النعجة وانتهاء بعيد الحرث والبذر، ثمة عيد يرتبط به العامة من الناس كثيرا ممن تنهك جيوبهم فاتورة الماء والكهرباء وبالكاد تحتفظ لهم بما يمكنهم من إنهاء الشهر بلا استدانة، إنه عيد السردين، الذي كانت تحتفل به بعض الموانئ الجزائرية بالأخص موانئ الشرق مثل ميناء سكيكدة، ولم يعد لها أثر اليوم بعدما شح البحر في السنوات العشر الأخيرة ولم يعد يسمح بإقامة هذا العيد والابتهاج بمظاهره التي كانت تملأ فضاءات الموانئ بروائح السمك المشوي ومختلف أطباق السردين التي تتنوع وتختلف من مدينة جزائرية إلى أخرى.
وظل السردين وما يزال إحدى ثمار البحر الأكثر شعبية في الجزائر لا لشيء سوى لأنه الأرخص ثمنا بامتياز مقارنة بباقي أنواع السمك التي تجود بها المياه الإقليمية الداخلية الجزائرية، فسفينة سردين واحدة تستطيع جلب ما يقارب 1200كلغ في رحلة صيد واحدة، ولا غرو أن تجد صناديق السردين تغزو أسواق جل الأحياء الشعبية ويتبرع به الباعة إلى عشرات القطط التي تحوم حول صناديقهم بسخاء كبير، ولا يمكن أن يمر يوم بالأخص في موسمي الربيع والصيف دون أن تتعالى في زوايا الاحياء الشعبية في الساعات المبكرة من الصباح أصوات باعة السردين وجلهم من الشباب وهي تسعى للتخلص من بضاعتها قبل منتصف النهار وتردد عبارات ألفها الناس وحفظها الصغار قبل الكبار لعل أشهرها “السردين دوا للسنين” لمنافعه الكثيرة وكونه مصدرا ممتازا للفسفور والكالسيوم والمغنيسيوم واليود.
ويتدارك قطاع واسع من الجزائريين عجزهم عن اقتناء الأنواع الأخرى من السمك أو “الحوت” كما يدعى محليا بالالتفاف حول صناديق السردين في الساحات والأسواق والأحياء الشعبية مقابل إحجامهم عن التقرب من السماكات “الرسمية” لعل أشهرها سماكة العاصمة المعروفة منذ العام 1936بـ”لابيشري” التي تعني السماكة، والتي تلتهب فوق رفوفها أسعار السمك، فلا يظفر بها إلاّ المترفون والأغنياء، ويكتفي “الزوالية” بالتفرج على أنواعها والتحسر من غلائها
وقد تنبهر مثلا بميناء “بوهارون” الشهير، بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائر وأنت تقف أمام طاولات الباعة فيها أطفال لا يتعدون سن الثالثة عشرة أو أقل فيمطرونك بأسماء مختلف الاسماك المعروضة أمامك وبالفرنسية وكأنهم طلبة حديثي التخرج من معاهد الصيد البحري.
ويتحايل الجزائريون من “الغلابى” أو الفقراء، على قلة حيلتهم تجاه سوق السمك، فيديرون الظهر لرفوف السماكات وهي تعرض أجمل ثمار البحر بأسعار خيالية وكأنها درر أو قطع من ذهب، ليقابلوا البحر بـ”سنّاراتهم” أي “قصابات الصيد” وينهلوا من خيراته بأيديهم، انتقاما مما سلبته منهم أيادي مافيا أسواق السمك وبارونات الموانئ، وتمنحك سواحل الجزائر الممتدة على طول 1200كلم، بالأخص سواحل العاصمة الجزائر وجيجل وعنابة وبجاية ومستغانم مناظر جميلة لعشرات الشباب والكهول ممن انخرطوا في هواية الصيد، وهم يصطفون هنا وهناك فوق صخور البحر العالية جماعات أو فرادى، بعضهم يجلب معه المذياع أو راديو كاسيت والآخر الشاي والنعناع أو “ترموس” القهوة ومنهم من يجلب واحداً من صغاره يؤنسه خلال الساعات الطويلة التي يقضيها مغازلا أعماق البحر علها تقذف له ببعض ما تكتنزه من خيرات تنسيه السردين وأطباق السردين.
وكم من صياد يعود البيت نهاية اليوم وهو محمل بما يسميه الصيادون الهواة “بياسات شابة” أي حبات من السمك جميلة من حيث الوزن والنوعية لعل أبرزها سمك “البوري” و” البديشة” و”البوغة” و”البونيط” و”الميرو” (مارو).
و”يخطف” المضاربون “اللقمة” من أفواه الفقراء، فهم من يحكمون قبضتهم على سوق الأسماك الذي خضع لقانون العرض والطلب، ويقفون عادة وراء الأسعار الفاحشة التي تصل إليها بعض الأنواع من السمك مثل “الكروفات” (روبيان) و”الروجي” (سلطان إبراهيم) و”المرلون” (غبر) والكالمار (حبارة) فخيرات البحر تنتقل من يد إلى أخرى قبل أن تصل إلى المستهك وقد زاد سعرها من اثنين إلى ثلاثة أضعاف .