من النادر أن يجعل فنانٌ حياته وقفًا على موضوع بعينه، فيبذل قصارى جهده لخدمته إلى درجة أن يرتبط اسمه بالموضوع الذي يشتغل عليه. وحين العثور على فنان بهذه المقاييس، فإنّ ذلك أشبه بالعثور على عملة نادرة؛ وتلك هي الحال بالضبط مع التشكيليّ الجزائري عيسى خليفي، الذي ارتبط اسمُه برسم الطائرات العسكرية، والتأريخ لها عبر الألوان والريشة.
في معرضه الأخير، الذي نظمه بقاعة حسين عسلة بالجزائر العاصمة، جمع الفنان 41 لوحة فنية، يُمكن أن تُعبّر في مجموعها عن التطوُّرات التي عرفها سلاح الجو عبر العالم خلال مسيرته الطويلة؛ حيث نجد الأنواع المختلفة للطائرات العسكرية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية وما بعدها، على غرار المقاتلة البريطانية وطائرة النقل الأميركية والطائرة الروسية (إليوشين) والطائرة العمودية الفرنكو بريطانية والطائرة العمودية لمحاربة الدبابات وطائرة النقل الأميركية والطائرة التجريبية الفرنسية والقاذفة الاستراتيجية الأميركية.
ويؤكد هذا التشكيليّ لوكالة الأنباء العمانية، أنّ اهتمامه بالطائرات يعود إلى سنوات الطفولة، عندما اقتنى كتابًا مصوّرًا حول الطيران، وراح يُقلّد تلك الرسومات بشغف، ثم تطوّر عشقه لهذا الموضوع، فأصبح مُقبلًا على شراء الكتب والمجلات التي تتناول الجوانب التاريخية والفنية لصناعة الطائرات. وما لبث ذلك الشغف أن قاده إلى التواصل مع دور النشر، حيث عمل رسّامًا توضيحيًا لدى عدد من دور النشر، كما اشتغل رسام كاريكاتور في صحف ومجلات عدة.
وقد صدر له العديد من الكتب الموجّهة إلى الأطفال حول الطيران والطيور والمجموعة الشمسية، وقام بإنجاز الرسومات التوضيحية لكثير من الكتب الدراسية وألبومات الشريط المرسوم. ويكشف عيسى خليفي أنّ أقدم رسم يضمُّه معرضه يعود إلى سنة 1982، بينما ترجع أحدث لوحة إلى عام 2017، وأنه لا يتردّد لحظة في رسم أيّ طائرة تستهويه.
منذ تخرُّجه في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، اختصاص منمنمات (1990)، نظّم خليفي خمسة معارض، أغلبها حول موضوع الطيران، وهو يُفضّل، من الناحية التقنية، الرسم بالألوان المائية والأقلام الجافة، لكون الرسم بالألوان الزيتية يتطلّب مكانًا واسعًا ومزوّدًا بالتهوية الكافية، فضلًا عن غلاء أسعار تلك المواد في الجزائر. يرسم هذا التشكيليُّ بدقة متناهية، ربما يكون قد اكتسبها من تخصُّصه في فن المنمنمات، حيث يقف من يُشاهد لوحاته مُعجبًا أمام تلك الدقة التي تجعلك تتخيّل وكأنّ الطائرات المرسومة توشك أن تقفز من إطار اللّوحة، لتربض على مدرج أحد المطارات في انتظار إشارة الإقلاع. ومن المثير في قصّة “رسّام الطائرات” أنّه يرفض بيع كثير من لوحاته، لأنّه يعتبرها في “منزلة الأبناء”، وهو يقرّ بأنّ رسم الطائرات بالنسبة إليه أصبح “فيروسًا” لا يستطيع التخلُّص منه.
ق.ث