الترجمة العربية للملحمة الهندية “المهابهارتا” ترى النور

صدر حديثًا ضمن سلسلة “دراسات فكرية” والتى تصدرها جامعة الكوفة، الترجمة العربية للمحلمة الهندية الخالدة “المهابهارتا” من ترجمة الكاتب والقاص حسن ناصر.

من مقدمة المترجم: يقال إن هوميروس هو مهندس الروح الإغريقية لأنه من رسم أيقونات الإغريق الفكرية والروحية والاجتماعية فى ملحمتيه العظيمتين الإلياذة والأوذيسة، فالملحمة بحسب ما يكشف لنا تاريخنا البشرى هى العمود الفقرى لأى أمة، ففيها تتجلى مثُلُها وفواجعها ومسراتها.

الأمر مع المهابهارتا يختلف عما هو عليه مع ملحمتى الإغريق، إذ ليس هناك شاعر وراءها يمكن أن ننسب إليه هندسة الروح الهندية، بل هناك فى الواقع، فضلًا عن ڤياسا، سلالات من المؤلفين ممن عدلوا وحوروا وزادوا، ثمة ميزات جلية تتمتع بها المهابهاراتا مقارنة بالملاحم المعروفة، أولها هو عدم انتمائها إلى حقل التاريخ والأدب القديم مثل بقية الملاحم، ولم تتضاءل أمام هيمنة الدين، بل هى ملحمة حية، وهى فى واقع الأمر منبع الدين فى الهند، فالكتاب الهندوسى المقدس (البهاﮔﺎﭬﺎد- ﮔيتا) إنما يرد فى سياق الملحمة، وهو فى مجمله التعاليم والأسرار التى يفضى بها كريشنا الى المقاتل العظيم أرجونا، ولا يمكن فهمه إلا بفهم سياقه التاريخى والروحى الذي يرد فى الملحمة، لذا يمكن القول إن المهابهاراتا حية متنامية، وهى، بوصف شاعرى، معبد الهند السرانى المشيد من زخارف وطلاسم ومنظومة من الشخصيات والأحداث والملابسات والأخطاء والخطايا والحب والبغضاء والعقاب والانتقام والرحمة والغفران، معبد الهند الذى استودعت فيه ذاكرتها وانفعالاتها عبر آلاف السنين، وفيها تتجلى هندسة روحها السحرية وفهمها لهذا الكون وحركته.

تسمى المهابهارتا فى الهند “الملحمة”، وهى عين الأدب السنسكريتى الثري العريق، وهى الأساس والأصل لكثير من المعتقدات والأساطير والتعاليم والشخصيات التى ما تزال جزءًا من الحياة فى الهند حتى اليوم، هى حكاية صراع دموى بين أبناء باندوا، وهم من نسل الآلهة، وأبناء عمهم الأعمى دريتاراشترا، وهم من نسل شيطانى، لكن هذا الصراعَ الدموى العنيفَ على الملك يجتذب الأربابَ جميعا للدخول في المعركة أو اتخاذ موقف منها. الأرباب والمفاهيم الهندوسية الفلسفية والأخلاقية كلُّها تدخلُ في نسيج الحكاية، ثمة قول شائع فى الهند مفاده: “كل شيء فى المهابهارتا موجود فى مكان ما، وما لا يوجدُ فيها لن يوجد فى أى مكان”.