أهم الأعمال الأدبية والسينمائية التي تناولت” الكوليرا” تثير الفضول في الجزائر

يتداول هذه الأيام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، رواية للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز تحت عنوان “حب في زمن الكوليرا”، بعد تفشّي وباء الكوليرا في الجزائر ،عودة هذه الرواية التي نشرت عام 1985، إلى الواجهة جاء من باب الفضول لدى النخبة الجزائرية،رغم السخرية التي شابت منصات الشبكات الاجتماعية للتعليق عن انتشار الوباء .

وبعيدا عن ذلك حاولت “اللقاء ” تتبع هذا الوباء في الأدب العربي والأعمال التي سبقت مركيز بعقود ولعل من أبرزها قصيدة الكوليرا التي كتبتها نازك الملائكة في عام 1947 ، إضافة رحلات محمد على أفندى السعودي” (1904 – 1908) الذي وثق محاربة هذا الوباء في موسم الحج.

كتاب مصور في الحج..” (1904 – 1908) يشير إلى الكوليرا

ونحن نعيش شعائر الحج، يأتي كتاب “مصور في الحج.. رحلات محمد على أفندى السعودى” (1904 – 1908) من تأليف فريد قيومجى كجيل وروبرت غراهام، ونقله إلى اللغة العربية الدكتورى سرى خريس، وحرره الدكتور أحمد خريس، والصادر عن مشروع كلمة للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في طبعته الأولى لعام 2012، ليذكرنا بالعديد من التفاصيل التي مر عليها 10 أعوام بعد الـ100 على هذه الرحلات.

كان السعودي مسؤولا برتبة وسطى في “الحقانية” أو وزارة العدل، وقام بمرافقة القوافل المصرية الرسمية المتجهة إلى مكة لأداء فريضة الحج في شتاء عام 1904، والشتاء الذي امتد بين عامي 1907 – 1908. لقد سافر السعودي إلى مكة في الفترة التي شهد فيها الشرق الأوسط تغييرا عظيما، فلقد ضعفت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، على نحو سريع.

ولد السعودي في القاهرة عام 1865، وكان يمثل طبقة المتعلمين التي ظهرت ضمن الطبقة الوسطى في مصر، ووقعت تحت التأثير الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي والأوروبي، بالإضافة إلى التيارات الجديدة التي أفرزها الفكر القومي والإصلاحي في مصر.
لقد حرص السعودي خلال رحلته إلى الحج على تسجيل التواريخ حسب التقويم الهجري والميلادي بدقة متناهية، كما استخدم كاميرا من نوع ستيريو – بالموس إيكا، وهى الكاميرا ذاتها التي تطورت عنها كاميرا ليكا الألمانية الصنع.
ويضم الكتاب مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة التي تعكس الثقافة الإسلامية والمفاهيم الاجتماعية التي ارتبطت بشعيرة الحج كما عاشها السعودي. يصف السعودي عبر هذه الصور تغير الطبيعة المادية للحج ذاته، وذلك بسبب الطريق البحرى الممتد من السويس حتى جدّة

يناقش الكتاب أيضاً كيف باتت وسائل مكافحة الأمراض أكثر صرامة وكيف سعت السلطات البريطانية إلى منع انتشار الكوليرا ناحية الغرب بسبب الحجاج المسلمين القادمين من الهند وخاصة بعد ظهور نوع جديد من البكتيريا المسبّبة للكوليرا في عام 1905 في إحدى محطات المحمل الواقعة في الطور على ساحل سيناء، حيث اكتشف وجودها مجموعة من الأطباء الذين قاموا بفحص الحجاج العائدين من الأراضي المقدسة.

*نازك الملائكة عراقية أوجعتها “الكوليرا”.. فتغيّر وجه شعر العرب للأبد!

عرفت نازك الملائكة كرائدة من رواد الشعر العربي الحديث مع بدر شاكر السياب وآخرين، برغم كل شيء، فإن اسمها سوف يبقى محفوراً في سجلات الإبداع، ربما بسبب قصيدة الكوليرا التي كتبتها وتمردت فيها على تقاليد الشعر.

ولدت نازك يوم 23 آب/أغسطس في بغداد في عام 1923، وقد رحلت عن عالمنا بالقاهرة في 20 حزيران/يونيو 2007 عن 83 عاماً بعد معاناة مع المرض.

كانت نازك صادق الملائكة ذات حظ ثقافي بأن تنشأ في أسرة متعلمة ومثقفة، وبالتالي تنال تعليماً مميزاً في فترة مبكرة، فقد تخرجت من دار المعلمين العالية، كما درست الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة في الأربعينات من القرن العشرين، وتابعت بأن حصلت على الماجستير في الأدب المقارن في عام 1959 من جامعة ويسكونسن ماديسون الأميركية.

وقد عملت أستاذة بجامعات بغداد والبصرة والكويت، ومنذ عام 1990 عاشت بالقاهرة فيما يشبه العزلة الاختيارية، وخفت الضجيج الذي كان حولها وكأنما قد نسيت، برغم ما قدمته من إسهام للثقافة العربية كوجه نسوي ورائدة شعرية.
بغض النظر عمن هو الأول الذي كتب الشعر الحر، وهو كسر لـ”أقدس” قواعد الشعر العربي، أي العروض، إلا أن نازك الملائكة كانت لها مبادرتها الواضحة في هذا الإطار منذ عام 1947، وتعتبر قصيدتها الكوليرا من القصائد الطليعية التي نسجت على منوال الشعر الحر، مسجلة مع السياب وعبد الوهاب البياتي وآخرين النسق الأول لبناء الشعرية الجديدة في العالم العربي.

كان ديوان “عاشقة الليل” أول عمل ينشر لها في عام 1947 مدشناً فترة جديدة في تجربة إنسانية شعرية، ومدرسة وليدة في الشعرية العربية.

ومن ثم أصدرت العديد من الأعمال منها “شظايا الرماد” في 1949، وغيرها إلى “الصلاة والثورة” في 1978.

كما لها مؤلفات في النقد الأدبي منها كتاب “قضايا الشعر الحديث” الذي صدر عام 1962، و”سايكولوجية الشعر” وقد صدر في عام 1992 .ولها مجموعة قصصية يتيمة، باسم “الشمس التي وراء القمة” صدرت في عام 1997.
الكوليرا والبدايات

وهذه قصيدة الكوليرا التي كتبتها في عام 1947 بعد نشر ديوانها الأول، على صدى أنباء الكوليرا في مصر، وكان يسمى هذا الداء بـ”الهيضة”، وكتبتها أولا بالشكل التقليدي ثم لم تقتنع بها فطورتها إلى الشكل الحديث، الحر يقول في احد المقاطع:

تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
***
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ

يوسف شاهين والكوليرا في “اليوم السادس”

اليوم السادس فيلم مصري من إنتاج وإخراج يوسف شاهين عام 1986 وبطولة داليدا ومحسن محي الدين وشويكار وحمدي أحمد وصلاح السعدني وسناء يونس وعبلة كامل ومحمد منير والفنان العراقي يوسف العاني ومثل فيه أيضاً يوسف شاهين.

وكان هذا آخر أفلام داليدا قبل وفاتها منتحرة في العام 1987. الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة أندريه شديد. والفيلم مهدي لجين كيلي: الممثل، المخرج، الراقص، المنتج وأحد كبار فترة هوليوود الذهبية “الذي ملأ شبابنا بهجة وعذوبة” كما يُكتب في بداية الفيلم.
يحكي الفيلم قصة سيدة “صِدّيقة” وصراعها مع مرض ابنها بالكوليرا وذلك أثناء حكم الملك فاروق. ويصف الفيلم بطريقة درامية كيف أن كل من حولها يختفي بفعل هذا الوباء. تحاول إخفاء ابنها عن الناس لمدة ستة أيام والتي يفترض بعدها أن ينجو ابنها من المرض. تحاول إخفاءه حتى لا يبلغ عنه أحد السلطات التي كانت تجمع مرضى الكوليرا في مخيمات لا يعود منها أحد على حد وصف الفيلم.

إن مستويات الأداء الدرامي في القصص المتداخلة التي تضمنها الفيلم لم تفتك، على الرغم من فوضاها، بتناغم الصورة بشكلها النهائي، وذلك يعود للنزعة الشخصية التي يدرك عبرها يوسف شاهين أسرار الحياة كمخرج طليعي ومن طراز خاص، فهو حقاً من يفتح النوافذ ولكن على مزيد من الوجع والصدق والمحنة والتشبث بالحياة والدفاع عن رموزها الغضة. إن هذا المسافر الجوّاب في مسارب حياتنا يوفر في القسم الثاني من فيلمه (الصعود على متن المركب نحو أعالي النيل ومن ثم إلى البحر) الكثير من المعاني التي تشتمل عليها ألوان الطبيعة، النيل بطميه وضفافه المتوسمة عناقة الأخضر، الشمس بتدرجات لونية وتحولات الأفق بغناه الروحي، النفوس تلك المنهمكة برحيلها (إلى البحر… إلى البحر)! والسلة التي تصعد نحو أعلى السفينة وفيها الطفل حسن المصاب بالكوليرا أملاً بتحقيق لقائه بالبحر، لكن كل ذلك يأتي عبثاً فالموت كان هو الذي يرقد هناك عالياً (تلون المشهد لحظتها بترابية لم نجدها تدخلاً فجاً)، ومع ذلك استمرت وفرة من المويجات الصغيرة ترتطم بالمركب.

الحب في زمن الكوليرا بين الرواية والفيلم

الحب في زمن الكوليرا هي رواية للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، نشرت عام 1985، وقد تم معالجتها سينمائيا إلى الحب في زمن الكوليرا وهو فيلم يحمل نفس عنوان الرواية.

تروي أحداث الرواية قصة حب رجل وامرأة منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وحتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. كما أنها ترصد بدقة الأحوال في هذه المنطقة من العالم من حيث الأحوال الاقتصادية والأدبية والديموغرافية دون التأثير على انتظام الأحداث وسيرها الدقيق مما يضعنا أمام كاتب يمسك بأدواته على أحسن ما يكون.
في نهاية القرن التاسع عشر في قرية صغيرة في الكاريبي، تعاهد عامل تلغراف وكان شابا فقيرا وتلميذة رائعة الجمال على الزواج وتبادلا الحب عل مدى الحياة, وخلال ثلاث سنوات لم تكن حياتهما إلا الواحد من أجل الأخر. لكن “فيرمينا دازا” تزوجت من “جيفينال ايربينو” وهو طبيب لامع يفيض شبابا.

حينئذ جاهد العاشق المهزوم “فلورينتينو” لكي يجعل له اسما لامعا ويكّون ثروة حتى يكون جديرا بمن أحبها، ولن يكف عن أن يحبها طوال أكثر من خمسين عاما حتى ذلك اليوم الذي سينتصر فيه الحب. الخط العام للرواية يروي إصرار (فلورنتينو اريثا) على الوصول لهدفه في الزواج من فرمينا داثا وإخلاصه لهذا الهدف رغم أننا في مرحلة ما نظن ذلك شبه مستحيل فهو يتعجل ويسارع لتقديم عهد الحب لــ(فرمينيا) في نفس يوم وفاة زوجها مما يجعلها تطرده بكيل من الشتائم، ولكنه لا يفقد الأمل ويستمر في محاولة كسب صداقتها بطريقة عقلية، حيث لم تعد الرسائل العاطفية لها من تأثير مع امرأة في السبعين.

يرسل لها رسائل عبارة عن تأملات في الحياة والزواج والشيخوخة تنال رضاها وتساعدها على تقبل الشيخوخة والموت بطريقة أفضل وتقبله شيئا فشيئا كصديق من عمرها تتبادل معه الأحاديث والتأملات فيما لا زال هو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها وتجاوزهما عمر (70 عاما)ا، ويتصادقان مع تشجيع ابنها الذي يفرح لأن أمه وجدت رفيقا من عمرها يتفاهم معها ومع نقمة ابنتها التي ترى الحب في هذه السن (قذارة)، مما يؤدي بالأم لطردها من بيتها.
أحداث الرواية الأخيرة تدور في سفينة نهرية حيث يدعو (فلورنتينو اريثا) حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها (70 عاما)لا يصلح للحب ولكن هذا ما كان يمنع (فلورنتينو اريثا) من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي وتدخل السلطات..
و تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين الذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب. ولقد منح المؤلف هذه الرواية كل ما له من نبوغ في السرد القصصي وسعة الخيال.

أترك تعليقا

لن يتم نشر الايميل الخاص بك